>> تابع
الجزء الاول المغازي للواقدي ح1.
تابع : ج1 كتاب ثاني من المغازي
للواقدي
تابع الصفحة السابقة المغازي
للواقدي ج1.
تابع1 الجزء الأول من كتاب المغازي
للواقدي-الجزء الأول
ومن بني جشم بن الخزرج ، ثم من بني
سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ، من بني حرام بن كعب بن غنم
بن كعب بن سلمة : خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح بن حرام ، وعمير بن حرام
وتميم مولى خراش بن الصمة ; وعمير بن الحمام بن الجموح ، قتل
ببدر ومعاذ بن الجموح ومعوذ بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام ; وعبد الله بن
عمرو بن حرام بن ثعلبة ، قتل بأحد وهو أبو جابر وحباب بن المنذر بن الجموح بن
زيد بن حرام بن كعب وخلاد بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام وعقبة بن عامر بن
نابي بن زيد بن حرام ; وحبيب بن الأسود مولى لهم وثابت بن
ثعلبة بن زيد بن ثعلبة الذي يقال له الجذع وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن حرام -
أحد عشر رجلا .
حدثني عبد العزيز بن محمد عن يحيى
بن أسامة عن ابني جابر عن أبيهما ، أن معاذ بن الصمة بن عمرو بن الجموح شهد بدرا
، وليس بمجتمع عليه .
المغازي للواقدي-الجزء الأول
ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب
بن سلمة ، ثم من بني خنساء بن سنان بن عبيد : بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن
سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء ; وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن
خنساء ; وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء وعتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء وحمزة
بن الحمير - قال وسمعت أنه خارجة بن الحمير - وعبد الله بن الحمير حليفان لهم من
أشجع من بني دهمان .
- ص
170 - ومن بني نعمان بن سنان بن عبيد بن عبد بن عدي بن غنم عبد الله بن عبد مناف
بن النعمان بن سنان ; ونعمان بن سنان مولى لهم وجابر بن عبد الله بن رئاب بن
النعمان ; وخليدة بن قيس بن النعمان بن سنان ويقال لبدة بن قيس - أربعة .
ومن بني خناس بن سنان بن عبيد بن
عدي : يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس ; وأخوه معقل بن المنذر بن سرح بن خناس ;
وعبد الله بن النعمان بن بلذمة بن خناس - ثلاثة .
ومن بني خنساء بن عبيد : جبار بن
صخر بن أمية بن خنساء بن عبيد - واحد . ومن بني ثعلبة بن عبيد : الضحاك بن حارثة
بن ثعلبة بن عبيد ; وسواد بن زيد بن ثعلبة بن عبيد .
ومن بني عدي بن غنم بن كعب بن سلمة
: عبد الله بن قيس بن صخر بن حرام بن ربيعة بن عدي بن غنم وأخوه معبد بن قيس بن
صخر بن حرام بن ربيعة بن عدي بن غنم .
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة
، ثم من بني حديدة : يزيد بن عامر بن حديدة ويكنى يزيد أبا المنذر وسليم بن عمرو
بن حديدة ; وقطبة بن عامر بن حديدة ; وعنترة
مولى سليم بن عمرو بن حديدة .
ومن بني عدي بن نابي بن عمرو بن
سواد : عبس بن عامر بن عدي بن ثعلبة بن غنمة بن عدي ; وثعلبة بن غنمة وأبو اليسر
واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد ; وسهل بن قيس بن أبي كعب بن القين
قتل بأحد ومعاذ بن جبل بن عائذ بن عدي بن كعب ; وثعلبة وعبد الله ابنا أنيس
اللذان كسرا أصنام بني سلمة .
- ص
171 - ومن بني زريق بن عامر بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ، ثم
من بني مخلد بن عامر بن زريق : قيس بن محصن بن خالد بن مخلد ; والحارث بن قيس بن
خالد بن مخلد وجبير بن إياس بن خالد بن مخلد وسعيد بن عثمان بن خالد بن مخلد
ويكنى أبا عبادة وعقبة بن عثمان بن خالد وذكوان بن عبد قيس بن خالد بن مخلد
ومسعود بن خلدة بن عامر بن مخلد - سبعة .
ومن بني خالد بن عامر بن زريق :
عباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق - واحد .
ومن بني خلدة بن عامر بن زريق :
أسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة بن عامر والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد
بن خلدة ; ومعاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وأخوه عائذ بن ماعص ومسعود بن سعد بن
قيس بن خلدة ، قتل يوم بئر معونة - خمسة .
ومن بني العجلان بن عمرو بن عامر بن
زريق : رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان ; وخلاد بن رافع بن مالك بن العجلان ;
وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان - ثلاثة .
ومن بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك
بن غضب بن جشم بن الخزرج : رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن حارثة بن
ثعلبة بن عدي بن مالك ; وأخوه هلال بن المعلى ، قتل ببدر - اثنان .
ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن
عامر بن عبد حارثة : زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن
بياضة ; وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان
بن علي بن عامر بن بياضة ; ورحيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة
بن بياضة - أربعة - ص 172 -
ومن بني أمية بن بياضة حليفة بن عدي
بن عمرو بن مالك بن عامر بن فهيرة بن عامر بن بياضة وغنام بن أوس بن غنام بن أوس
بن عمرو بن مالك بن عامر بن بياضة وعطية بن نويرة بن عامر بن عطية بن عامر بن
بياضة . حدثني بذلك خالد بن القاسم عن زرعة بن عبد الله بن زياد بن لبيد أن
الرجلين ثبت . قال الواقدي : وليس بمجتمع عليهما .
ذكر سرية قتل عصماء بنت مروان
حدثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه
أن عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطمي
وكانت تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتعيب الإسلام وتحرض على النبي صلى الله
عليه وسلم وقالت شعرا
فباست بني مالك والنبيت
وعوف وباست بني الخزرج
أطعتم أتاوي من غيركم
فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس
كما يرتجى مرق المنضج
قال عمير بن عدي بن خرشة بن أمية
الخطمي حين بلغه قولها - ص 173 - وتحريضها : اللهم إن لك علي نذرا
لئن رددت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لأقتلنها - ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يومئذ ببدر - فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر
جاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها ، وحولها نفر من ولدها
نيام منهم من ترضعه في صدرها ; فجسها بيده فوجد الصبي ترضعه فنحاه
عنها ، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها ، ثم خرج حتى صلى الصبح مع
النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة . فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم نظر
إلى عمير فقال أقتلت بنت مروان ؟ قال نعم بأبي أنت يا رسول الله .
وخشي عمير أن يكون افتات على النبي
صلى الله عليه وسلم بقتلها ، فقال هل علي في ذلك شيء يا رسول الله ؟ قال لا
ينتطح فيها عنزان فإن أول ما سمعت هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم . قال
عمير فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله فقال إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي . فقال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه انظروا إلى هذا الأعمى الذي تشدد في طاعة الله . فقال لا تقل
الأعمى ، ولكنه البصير فلما رجع عمير من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد
بنيها في جماعة يدفنونها ، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلا من المدينة ، فقالوا :
يا عمير أنت قتلتها ؟ فقال نعم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون فوالذي نفسي بيده لو
قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم فيومئذ ظهر الإسلام
- ص 174 - في بني خطمة وكان منهم رجال يستخفون بالإسلام خوفا من قومهم . فقال
حسان بن ثابت يمدح عمير بن عدي أنشدنا عبد الله بن الحارث :
بني وائل وبني واقف
وخطمة دون بني الخزرج
متى ما دعت أختكم ويحها
بعولتها والمنايا تجي
فهزت فتى ماجدا عرقه
كريم المداخل والمخرج
فضرجها من نجيع الدماء
قبيل الصباح ولم يحرج
فأوردك الله برد الجنا
ن جذلان في نعمة المولج
حدثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه
قال كان قتل عصماء لخمس ليال بقين من رمضان مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من
بدر ، على رأس تسعة عشر شهرا .
سرية قتل أبي عفك
حدثنا سعيد بن محمد عن عمارة بن
غزية وحدثناه أبو مصعب إسماعيل بن مصعب بن إسماعيل بن زيد بن ثابت ، عن أشياخه
قالا : إن شيخا من بني عمرو بن عوف يقال له أبو عفك وكان شيخا كبيرا ، قد بلغ
عشرين ومائة سنة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، كان يحرض على عداوة
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل في الإسلام . فلما خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى بدر رجع وقد ظفره الله بما ظفره - ص 175 - فحسده وبغى فقال
قد عشت حينا وما إن أرى
من الناس دارا ولا مجمعا
أجم عقولا وآتى إلى
منيب سراعا إذا ما دعا
فسلبهم أمرهم راكب
حراما حلالا لشتى معا
فلو كان بالملك صدقتم
وبالنصر تابعتم تبعا
فقال سالم بن عمير ، وهو أحد
البكائين من بني النجار علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه . فأمهل فطلب له
غرة ، حتى كانت ليلة صائفة فنام أبو عفك بالفناء في الصيف في بني عمرو بن عوف
فأقبل سالم بن عمير ، فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش وصاح عدو الله فثاب
إليه أناس ممن هم على قوله فأدخلوه منزله وقبروه .
وقالوا : من قتله ؟ والله لو نعلم
من قتله لقتلناه به فقالت النهدية في ذلك وكانت مسلمة هذه الأبيات
تكذب دين الله والمرء أحمدا
لعمر الذي أمناك إذ بئس ما يمنى
حباك حنيف آخر الليل طعنة
أبا عفك خذها على كبرالسن
فإني وإن أعلم بقاتلك الذي
أباتك حلس الليل من إنس او جني
فحدثني معن بن عمر قال أخبرني ابن
رقيش قال قتل أبو عفك في شوال على رأس عشرين شهرا .
غزوة قينقاع
- ص
176 - غزوة قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا ، حاصرهم النبي
صلى الله عليه وسلم إلى هلال ذي القعدة .
حدثني عبد الله بن جعفر ، عن الحارت
بن الفضيل عن ابن كعب القرظي قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
، وادعته يهود كلها ، وكتب بينه وبينها كتابا . وألحق رسول الله صلى الله عليه
وسلم كل قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا ، وشرط عليهم شروطا ، فكان فيما
شرط ألا يظاهروا عليه عدوا .
فلما أصاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أصحاب بدر وقدم المدينة ، بغت يهود وقطعت ما كان بينها وبين رسول الله صلى
الله عليه وسلم من العهد فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فجمعهم ثم
قال يا معشر يهود أسلموا ، فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله قبل أن يوقع الله
بكم مثل وقعة قريش . فقالوا : يا محمد لا يغرنك من لقيت ، إنك قهرت قوما أغمارا . وإنا والله أصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل
مثلنا .
فبينا هم على ما هم عليه من إظهار
العداوة ونبذ العهد جاءت امرأة نزيعة من العرب تحت رجل من الأنصار إلى سوق بني
قينقاع ، فجلست عند صائغ في حلي لها ، فجاء رجل من يهود قينقاع فجلس من ورائها
ولا تشعر فخل درعها إلى ظهرها بشوكة فلما قامت المرأة بدت عورتها فضحكوا منها .
فقام إليه - ص 177 - رجل من المسلمين فاتبعه فقتله فاجتمعت بنو قينقاع ،
وتحايشوا فقتلوا الرجل ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوا ، وتحصنوا
في حصنهم . فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فحاصرهم فكانوا أول من سار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلى يهود
قينقاع وكانوا أول يهود حاربت .
فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري
، عن عروة ، قال لما نزلت هذه الآية وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا
يحب الخائنين فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية . قالوا
: فحصرهم في حصنهم خمس عشرة ليلة أشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب .
قالوا : أفننزل وننطلق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، إلا على حكمي
فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم فربطوا . قال فكانوا
يكتفون كتافا . قالوا : واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتافهم المنذر
بن قدامة السالمي . قال فمر بهم ابن أبي وقال حلوهم فقال المنذر أتحلون قوما
ربطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله لا يحلهم رجل إلا ضربت عنقه
فوثب ابن أبي إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فأدخل يده في جنب درع النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه فقال يا محمد
أحسن في موالي فأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم غضبان متغير الوجه ، فقال
ويلك ، أرسلني فقال لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مائة دارع وثلثمائة حاسر
منعوني يوم الحدائق ويوم بعاث من الأحمر والأسود تريد أن تحصدهم - ص 178 - في
غداة واحدة ؟ يا محمد إني امرؤ أخشى الدوائر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم
فلما تكلم ابن أبي فيهم تركهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم من القتل وأمر بهم أن يجلوا من المدينة ; فجاء ابن أبي
بحلفائه معه وقد أخذوا بالخروج يريد أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يقرهم في ديارهم فيجد على باب النبي صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة فذهب
ليدخل فرده عويم وقال لا تدخل حتى يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لك . فدفعه ابن أبي ، فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أبي الجدار
فسال الدم فتصايح حلفاؤه من يهود فقالوا : أبا الحباب لا نقيم أبدا بدار أصاب
وجهك فيها هذا ، لا نقدر أن نغيره .
فجعل ابن أبي يصيح عليهم وهو يمسح
الدم عن وجهه يقول ويحكم قروا فجعلوا يتصايحون لا نقيم أبدا بدار أصاب وجهك [ فيها ] هذا ، لا نستطيع له غيرا ولقد كانوا أشجع يهود وقد
كان ابن أبي أمرهم أن يتحصنوا ، وزعم أنه سيدخل معهم فخذلهم ولم يدخل معهم
ولزموا حصنهم فما رموا بسهم ولا قاتلوا حتى نزلوا على صلح رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحكمه وأموالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما نزلوا وفتحوا
حصنهم كان محمد بن مسلمة هو الذي أجلاهم وقبض أموالهم .
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
من سلاحهم ثلاث قسي قوس تدعى الكتوم كسرت بأحد ، وقوس تدعى الروحاء ، وقوس تدعى
البيضاء ; وأخذ درعين من سلاحهم درعا يقال لها الصغدية وأخرى فضة وثلاثة أسياف
سيف قلعي ، وسيف يقال له بتار - ص 179 - وسيف آخر وثلاثة أرماح . قال ووجدوا في
حصونهم سلاحا كثيرا وآلة للصياغة وكانوا صاغة .
قال محمد بن مسلمة : فوهب لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم درعا من دروعهم وأعطى سعد بن معاذ درعا له مذكورة يقال
لها السحل ولم يكن لهم أرضون ولا قراب - [ يعني مزارع ] . وخمس رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما أصاب منهم وقسم ما بقي على أصحابه . وأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم عبادة بن الصامت أن يجليهم فجعلت قينقاع تقول يا أبا الوليد من بين
الأوس والخزرج - ونحن مواليك - فعلت هذا بنا ؟ قال لهم عبادة لما حاربتم جئت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني أبرأ إليك منهم ومن حلفهم .
وكان ابن أبي وعبادة بن الصامت منهم
بمنزلة واحدة في الحلف . فقال عبد الله بن أبي : تبرأت من
حلف مواليك ؟ ما هذه بيدهم عندك فذكره مواطن قد أبلوا فيها ، فقال عبادة أبا
الحباب تغيرت القلوب ومحا الإسلام العهود أما والله إنك لمعصم بأمر سترى غبه غدا
فقالت قينقاع يا محمد إن لنا دينا في الناس . قال النبي صلى الله عليه وسلم
تعجلوا وضعوا وأخذهم عبادة بالرحيل والإجلاء وطلبوا التنفس فقال لهم ولا ساعة من
نهار لكم ثلاث لا أزيدكم عليها هذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كنت
أنا ما نفستكم .
فحدثني محمد بن القاسم عن أبيه عن
الربيع بن سبرة ، عن أبيه قال إني لبالفلجتين مقبل من الشام ، إذ لقيت بني
قينقاع يحملون الذرية والنساء قد حملوهم على الإبل وهم يمشون فسألتهم فقالوا :
أجلانا محمد وأخذ أموالنا . قلت : فأين تريدون ؟ قالوا : الشام
. قال سبرة فلما نزلوا بوادي القرى أقاموا شهرا ، وحملت يهود وادي القرى من كان
راجلا منهم وقووهم وساروا إلى أذرعات فكانوا بها ، فما كان أقل بقاءهم . >>>حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي
قتادة ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة ثلاث مرات بدر القتال وبني قينقاع وغزوة
السويق .
غزوة السويق
- ص
181 - غزوة السويق في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا . خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم الأحد لخمس ليال خلون من ذي الحجة فغاب خمسة أيام .
حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري ،
وإسحاق بن حازم عن محمد بن كعب قالا : لما
رجع المشركون إلى مكة من بدر حرم أبو سفيان الدهن حتى يثأر من محمد وأصحابه بمن
أصيب من قومه . فخرج في مائتي راكب - في حديث الزهري ، وفي حديث ابن كعب في
أربعين راكبا - حتى سلكوا النجدية . فجاءوا بني النضير ليلا ، فطرقوا حيي بن
أخطب ليستخبروه من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأبى أن يفتح لهم
وطرقوا سلام بن مشكم ففتح لهم فقراهم وسقى أبا سفيان خمرا ، وأخبره من أخبار
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
فلما كان بالسحر خرج فمر بالعريض
فيجد رجلا من الأنصار مع أجير له في حرثه فقتله وقتل أجيره وحرق بيتين بالعريض
وحرق حرثا لهم ورأى أن يمينه قد حلت ثم ذهب هاربا ، وخاف الطلب فبلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه فخرجوا في أثره وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون
فيلقون جرب السويق - وهي عامة زادهم - فجعل المسلمون يمرون - ص 182 - بها
فيأخذونها ، فسميت تلك الغزوة غزوة السويق لهذا الشأن حتى انتهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة . فقال [ أبو سفيان ] ، في حديث الزهري ، هذه
الأبيات
سقاني فرواني كميتا مدامة
على ظمأ مني سلام بن مشكم
وذاك أبو عمرو يجود وداره
بيثرب مأوى كل أبيض خضرم
كان الزهري يكنيه أبا عمرو ، والناس
يكنونه أبا الحكم . واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة
بن عبد المنذر . فحدثني محمد عن الزهري ، قال كانت في ذي الحجة على رأس اثنين
وعشرين شهرا .
غزوة قرارة الكدر
إلى بني سليم وغطفان للنصف من
المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا ; غاب خمس عشرة ليلة .
حدثني عبد الله بن جعفر ، عن ابن
أبي عون عن يعقوب بن عتبة ، قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة
إلى قرارة الكدر ، وكان الذي هاجه على ذلك أنه بلغه أن بها جمعا من غطفان وسليم
. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأخذ عليهم الطريق حتى جاء فرأى آثار
النعم ومواردها ، ولم يجد في المجال أحدا ; فأرسل في أعلى الوادي نفرا من أصحابه
واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بطن الوادي ، - ص 183 - فوجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار فسألهم عن
الناس فقال يسار لا علم لي بهم إنما أورد لخمس وهذا يوم ربعي ; والناس قد
ارتبعوا إلى المياه وإنما نحن عزاب في النعم . فانصرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظفر بنعم فانحدر إلى المدينة حتى إذا صلى
الصبح فإذا هو بيسار فرآه يصلي . فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم فقال القوم يا
رسول الله إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا ، فإن فينا من يضعف عن حظه الذي يصير
إليه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اقتسموا فقالوا : يا رسول الله إن كان أنما بك العبد الذي رأيته يصلي ، فنحن
نعطيكه في سهمك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طبتم به نفسا ؟ قالوا :
نعم . فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه وارتحل الناس فقدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة ، واقتسموا غنائمهم فأصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة
وكان القوم مائتين . المغازي للواقدي-الجزء الأول
فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي ،
عن حفص بن عمر بن أبي طلحة عمن أخبره عن أبي أروى الدوسي قال كنت في السرية وكنت
ممن يسوق النعم فلما كنا بصرار - على ثلاثة أميال من المدينة - خمس
النعم وكان النعم خمسمائة بعير فأخرج خمسه وقسم أربعة أخماس على المسلمين
فأصابهم بعيران بعيران .
حدثنا عبد الله بن نوح عن أبي عفير
قال استخلف رسول الله - ص 184 - صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم ،
وكان يجمع بهم ويخطب إلى جنب المنبر يجعل المنبر عن يساره . قتل ابن الأشرف
وكان قتله على رأس خمسة وعشرين شهرا
في ربيع الأول .
حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد
بن رومان ، ومعمر عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك ، وإبراهيم بن جعفر عن أبيه عن
جابر بن عبد الله ، فكل قد حدثني بطائفة فكان الذي اجتمعوا لنا عليه قالوا : إن
ابن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحرض عليهم
كفار قريش في شعره .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قدم المدينة وأهلها أخلاط - منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة
الإسلام فيهم أهل الحلقة والحصون ومنهم حلفاء للحيين جميعا الأوس والخزرج .
فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم
وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا . المغازي للواقدي-الجزء الأول
فكان المشركون واليهود من أهل
المدينة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا ، فأمر الله عز
وجل نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم أنزل - ص 185 - ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا
أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور وفيهم أنزل الله عز وجل ود كثير من أهل الكتاب الآية .
فلما أبى ابن الأشرف أن ينزع عن أذى
النبي صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين وقد بلغ منهم فلما قدم زيد بن حارثة
بالبشارة من بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم فرأى الأسرى مقرنين كبت وذل ثم
قال لقومه ويلكم والله لبطن الأرض خير لكم من ظهرها اليوم هؤلاء سراة الناس قد
قتلوا وأسروا ، فما عندكم ؟ قالوا : عداوته ما حيينا .
قال وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم
؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضهم وأبكي قتلاهم فلعلهم ينتدبون فأخرج معهم . فخرج
حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وتحته عاتكة بنت أسيد بن
أبي العيص ، فجعل يرثي قريشا ويقول
طحنت رحى بدر لمهلك أهله
ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضه
لا تبعدوا إن الملوك تصرع
ويقول أقوام أذل بسخطهم
إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا
ظلت تسيخ بأهلها وتصدع
كم قد أصيب بها من ابيض ماجد
ذي بهجة يأوي إليه الضيع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت
حمال أثقال يسود ويربع
نبئت أن بني المغيرة كلهم
خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدعوا
وابنا ربيعة عنده ومنبه
هل نال مثل المهلكين التبع
المغازي للواقدي-الجزء الأول
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من لي بابن الأشرف فقد آذاني ؟ فقال محمد بن مسلمة : أنا به يا رسول الله وأنا
أقتله . قال فافعل فمكث محمد بن مسلمة أياما لا يأكل فدعاه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال يا محمد ، تركت الطعام والشراب ؟ قال يا رسول الله قلت لك قولا
فلا أدري أفي لك به أم لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك الجهد . وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور سعد بن معاذ في أمره .
فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس
منهم عباد بن بشر ، وأبو نائلة سلكان بن سلامة والحارث بن أوس وأبو عبس بن جبر
فقالوا : يا رسول الله نحن نقتله فأذن لنا فلنقل فإنه لا بد لنا منه . قال قولوا
فخرج أبو نائلة إليه فلما رآه كعب أنكر شأنه وكاد يذعر وخاف أن يكون وراءه كمين
- ص 188 - فقال أبو نائلة حدثت لنا حاجة إليك . قال
وهو في نادي قومه وجماعتهم ادن إلي فخبرني بحاجتك . وهو متغير اللون مرعوب -
فكان أبو نائلة ومحمد بن مسلمة أخويه من الرضاعة - فتحدثا ساعة وتناشدا الأشعار .
وانبسط كعب وهو يقول بين ذلك حاجتك
وأبو نائلة يناشده الشعر - وكان أبو نائلة يقول الشعر - فقال كعب حاجتك ، لعلك
أن تحب أن يقوم من عندنا ؟ فلما سمع ذلك القوم قاموا . قال أبو نائلة إني كرهت
أن يسمع القوم ذرو كلامنا ، فيظنون كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء وحاربتنا
العرب ورمتنا عن قوس واحدة وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس وضاع العيال أخذنا
بالصدقة ولا نجد ما نأكل . فقال كعب قد والله كنت أحدثك بهذا يا ابن سلامة أن
الأمر سيصير إليه .
فقال أبو نائلة ومعي رجال من أصحابي
على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاما أو تمرا وتحسن في ذلك
إلينا ، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة . قال كعب أما إن رفافي تقصف تمرا ، من عجوة
تغيب فيها الضرس أما والله ما كنت أحب يا أبا نائلة أن أرى هذه الخصاصة منك ،
وإن كنت من أكرم الناس علي أنت أخي ، نازعتك الثدي قال سلكان اكتم عنا ما حدثتك
من ذكر محمد .
قال كعب لا أذكر منه حرفا . ثم قال كعب يا أبا نائلة اصدقني ذات نفسك ; ما الذي تريدون
في أمره ؟ قال خذلانه والتنحي عنه . قال سررتني يا أبا نائلة فماذا ترهنونني ،
أبناءكم ونساءكم ؟ فقال لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا ولكنا نرهنك من الحلقة
ما ترضى به . قال كعب إن في الحلقة لوفاء .
وإنما يقول ذلك سلكان لئلا ينكرهم
إذا جاءوا بالسلاح . - ص 189 - فخرج أبو نائلة من عنده على ميعاد فأتى أصحابه
فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده . ثم أتوا النبي صلى الله عليه
وسلم عشاء فأخبروه فمشى معهم حتى أتى البقيع ثم وجههم ثم قال امضوا على بركة
الله وعونه ويقال : وجههم بعد أن صلوا العشاء وفي ليلة مقمرة مثل النهار في ليلة
أربع عشرة من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا . المغازي للواقدي-الجزء
الأول
قال فمضوا حتى أتوا ابن الأشرف فلما
انتهوا إلى حصنه هتف به أبو نائلة وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس فوثب فأخذت
امرأته بناحية ملحفته وقالت أين تذهب ؟ إنك رجل محارب ولا ينزل مثلك في هذه
الساعة . فقال ميعاد إنما هو أخي أبو نائلة والله لو وجدني نائما ما أيقظني . ثم
ضرب بيده الملحفة وهو يقول لو دعي الفتى لطعنة أجاب .
ثم نزل إليهم فحياهم ثم جلسوا
فتحدثوا ساعة حتى انبسط إليهم ثم قالوا له يا ابن الأشرف هل لك أن تتمشى إلى شرج
العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا ؟ قال فخرجوا يتماشون حتى وجهوا قبل الشرج فأدخل
أبو نائلة يده في رأس كعب ثم قال ويحك ، ما أطيب عطرك هذا يا ابن الأشرف وإنما كان
كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه وكان جعدا جميلا .
ثم مشى ساعة فعاد بمثلها حتى اطمأن
إليه وسلسلت يداه في شعره وأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه اقتلوا عدو الله فضربوه
بأسيافهم فالتفت عليه فلم تغن شيئا ، ورد بعضها بعضا ، ولصق بأبي نائلة . قال
محمد بن مسلمة فذكرت مغولا - ص 190 - معي
كان في سيفي فانتزعته فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فقططته حتى انتهى إلى عانته
فصاح عدو الله صيحة ما بقي أطم من آطام يهود إلا قد أوقدت عليه نار . فقال ابن
سنينة يهودي من يهود بني حارثة وبينهما ثلاثة أميال إني لأجد ريح دم بيثرب مسفوح
. وقد كان أصاب بعض القوم الحارث بن أوس بسيفه وهم يضربون كعبا ، فكلمه في رجله .
فلما فرغوا احتزوا رأسه ثم حملوه
معهم ثم خرجوا يشتدون وهم يخافون من يهود الأرصاد حتى أخذوا على بني أمية بن زيد
ثم على قريظة وإن نيرانهم في الآطام لعالية ثم على بعاث حتى إذا كان بحرة العريض
نزف الحارث الدم فأبطأ عليهم فناداهم أقرئوا رسول الله مني السلام فعطفوا عليه
فاحتملوه حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم . فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا .
وقد قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم تلك الليلة يصلي ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع
كبر وعرف أن قد قتلوه . ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
واقفا على باب المسجد فقال أفلحت الوجوه فقالوا : ووجهك يا رسول الله ورموا
برأسه بين يديه فحمد الله على قتله .
ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل في
جرحه فلم يؤذه فقال في ذلك عباد بن بشر :
صرخت به فلم يجفل لصوتي
وأوفى طالعا من فوق قصر
فعدت فقال من هذا المنادي
فقلت أخوك عباد بن بشر
فقال محمد أسرع إلينا
فقد جئنا لتشكرنا وتقري
وترفدنا فقد جئنا سغابا
بنصف الوسق من حب وتمر
وهذي درعنا رهنا فخذها
لشهر إن وفى أو نصف شهر
فقال معاشر سغبوا وجاعوا
لقد عدموا الغنى من غير فقر
وأقبل نحونا يهوي سريعا
وقال لنا لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيض حداد
مجربة بها الكفار نفري
فعانقه ابن مسلمة المرادي
به الكفان كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتا عليه
فقطره أبو عبس بن جبر
وصلت وصاحباي فكان لما
قتلناه الخبيث كذبح عتر
ومر برأسه نفر كرام
هم ناهوك من صدق وبر
وكان الله سادسنا فأبنا
بأفضل نعمة وأعز نصر
قال ابن أبي حبيبة أنا رأيت قائل
هذا الشعر .
قال ابن أبي الزناد لولا قول ابن
أبي حبيبة لظننت أنها ثبت . قالوا : فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به
من رجال اليهود فاقتلوه . فخافت اليهود فلم يطلع عظيم من
عظمائهم ولم ينطقوا ، وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف . وكان ابن سنينة من
يهود بني حارثة ، وكان حليفا لحويصة بن مسعود - ص 192 - قد أسلم ; فعدا محيصة
على ابن سنينة فقتله فجعل حويصة يضرب محيصة وكان أسن منه يقول أي عدو الله
أقتلته ؟ أما والله لرب شحم في بطنك من ماله فقال محيصة والله لو أمرني بقتلك
الذي أمرني بقتله لقتلتك . قال والله لو أمرك محمد أن تقتلني
لقتلتني ؟ قال نعم . قال حويصة والله إن دينا يبلغ هذا لدين معجب . فأسلم حويصة
يومئذ فقال محيصة - وهي ثبت لم أر أحدا يدفعها - يقول
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله
لطبقت ذفراه بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله
متى ما تصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعا
ولو أن لي ما بين بصرى ومأرب
ففزعت اليهود ومن معها من المشركين
فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا : قد طرق صاحبنا الليلة
وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه . فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ولكنه نال منا
الأذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف . ودعاهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه فكتبوا بينهم
وبينه كتابا تحت العذق في دار رملة بنت الحارث . فحذرت اليهود وخافت وذلت من يوم
قتل ابن الأشرف .
فحدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال
. : قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النضري : كيف كان قتل
ابن الأشرف ؟ - ص 193 - قال ابن يامين كان غدرا .
ومحمد بن مسلمة جالس شيخ كبير فقال يا مروان أيغدر رسول الله عندك ؟ والله ما
قتلناه إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله لا يؤويني وإياك سقف بيت
إلا المسجد . وأما أنت يا ابن يامين - فلله علي إن أفلت وقدرت عليك وفي يدي سيف
إلا ضربت به رأسك
فكان ابن يامين لا ينزل في بني
قريظة حتى يبعث له رسولا ينظر محمد بن مسلمة فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى
حاجته ثم صدر وإلا لم ينزل . فبينا محمد بن مسلمة في جنازة وابن يامين بالبقيع ،
فرأى نعشا عليه جرائد رطبة لامرأة جاء فحله . فقام الناس فقالوا : يا أبا عبد
الرحمن ما تصنع ؟ نحن نكفيك فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدة جريدة حتى كسر
تلك الجرائد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحا ، ثم أرسله ولا طباخ به ثم قال
والله لو قدرت على السيف لضربتك به .
شأن غزوة غطفان بذي أمر
وكانت في ربيع الأول على رأس خمسة
وعشرين شهرا . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من
ربيع فغاب أحد عشر يوما .
حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة
قال - ص 194 - حدثنا ابن أبي عتاب وحدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان وحدثني عبد
الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبد الله بن أبي بكر فزاد بعضهم [ على بعض ] في
الحديث وغيرهم قد حدثنا أيضا ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
جمعا من ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله
صلى الله عليه وسلم جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث بن محارب
فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسلمين فخرج في أربعمائة رجل وخمسين ومعهم أفراس فأخذ على المنقى ، ثم سلك
مضيق الخبيت ثم خرج إلى ذي القصة فأصاب رجلا منهم بذي القصة يقال له جبار من بني
ثعلبة ، فقالوا : أين تريد ؟ قال أريد يثرب . قالوا : وما حاجتك بيثرب ؟ قال
أردت أن أرتاد لنفسي وأنظر . قالوا : هل مررت بجمع أو بلغك [ خبر ] لقومك ؟ قال
لا ، إلا أنه قد بلغني أن دعثور بن الحارث في أناس من قومه عزل . فأدخلوه على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى الإسلام فأسلم
وقال يا محمد إنهم لن يلاقوك ; إن
سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال وأنا سائر معك ودالك على عورتهم . فخرج به
النبي صلى الله عليه وسلم وضمه إلى بلال ، فأخذ به طريقا أهبطه عليهم من كثيب
وهربت منه - ص 195 - الأعراب فوق الجبال وقبل ذلك ما قد
غيبوا سرحهم في ذرى الجبال وذراريم ، فلم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحدا ، إلا أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال . فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذا أمر وعسكر معسكرهم فأصابهم مطر كثير فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحاجته فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي ذي
أمر بينه وبين أصحابه .
ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف وألقاها
على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل فقالت الأعراب لدعثور ،
وكان سيدها وأشجعها : قد أمكنك محمد وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم
يغث حتى تقتله . فاختار سيفا من سيوفهم صارما ، ثم أقبل مشتملا على السيف حتى
قام على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا ، فقال يا محمد من يمنعك
مني اليوم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله
قال ودفع جبريل عليه السلام في صدره
ووقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام به على رأسه فقال من
يمنعك مني اليوم ؟ قال لا أحد . قال فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله والله لا أكثر عليك جمعا أبدا فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
سيفه ثم أدبر ثم أقبل بوجهه فقال أما والله لأنت خير مني . قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنا أحق بذلك منك . فأتى قومه فقالوا : أين ما كنت تقول وقد
أمكنك والسيف في يدك ؟ قال والله كان ذلك ولكني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في
صدري فوقعت لظهري ، فعرفت أنه ملك وشهدت - ص 196 - أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله والله لا أكثر عليه وجعل يدعو قومه إلى الإسلام .
ونزلت هذه الآية فيه يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن
يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم الآية . وكانت غيبة النبي صلى الله عليه
وسلم إحدى عشرة ليلة واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عثمان بن
عفان رضي الله عنه . غزوة بني سليم ببحران بناحية الفرع
لليال خلون من جمادى الأولى ، على
رأس سبعة وعشرين شهرا ; غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرا .
حدثني معمر بن راشد عن الزهري قال
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بني سليم كثيرا ببحران تهيأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يظهر وجها ، فخرج في ثلاثمائة رجل من
أصحابه فأغذوا السير حتى إذا كانوا دون بحران بليلة لقي رجلا من بني سليم
فاستخبروه عن القوم وعن جمعهم . فأخبره أنهم قد افترقوا أمس ورجعوا
إلى مائهم فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحبس مع رجل من القوم ثم سار النبي
صلى الله عليه وسلم حتى ورد بحران ، وليس به أحد وأقام - ص 197 - أياما ثم رجع
ولم يلق كيدا ، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل . وكانت غيبته عشر
ليال . حدثني عبد الله بن نوح عن محمد بن سهل قال استخلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم . شأن سرية القردة
فيها زيد بن حارثة ، وهي أول سرية
خرج فيها زيد رضي الله عنه أميرا ، وخرج لهلال جمادى الآخرة على رأس سبعة وعشرين
شهرا .
حدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن
زيد ، عن أهله قالوا : كانت قريش قد حذرت طريق الشام أن يسلكوها ، وخافوا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكانوا قوما تجارا ، فقال صفوان بن أمية :
إن محمدا وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا ، فما ندري كيف نصنع بأصحابه لا يبرحون
الساحل وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه فما ندري أين نسلك ، وإن أقمنا
نأكل رءوس أموالنا ونحن في دارنا هذه ما لنا بها نفاق إنما نزلناها على التجارة
إلى الشام في الصيف وفي الشتاء إلى أرض الحبشة . قال له الأسود بن المطلب فنكب
عن الساحل وخذ طريق العراق . قال صفوان لست بها عارفا . قال أبو زمعة فأنا أدلك
على أخبر دليل بها يسلكها وهو مغمض العين إن شاء الله .
قال - ص 198 - من هو ؟ قال فرات بن
حيان العجلي ، قد دوخها وسلكها . قال صفوان فذلك والله فأرسل إلى فرات فجاءه
فقال إني أريد الشام وقد عور علينا محمد متجرنا لأن طريق عيراتنا عليه فأردت
طريق العراق . قال فرات فأنا أسلك بك في طريق العراق ، ليس يطؤها أحد من أصحاب
محمد - إنما هي أرض نجد وفياف . قال صفوان فهذه حاجتي ، أما الفيافي فنحن شاتون
وحاجتنا إلى الماء اليوم قليل . فتجهز صفوان بن أمية ، وأرسل معه
أبو زمعة بثلاثمائة مثقال ذهب ونقر فضة وبعث معه رجالا من قريش ببضائع وخرج معه
عبد الله بن أبي ربيعة وحويطب بن عبد العزى في رجال من قريش . وخرج صفوان بمال
كثير - نقر فضة وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم وخرجوا على ذات عرق .
وقدم المدينة نعيم بن مسعود الأشجعي
، وهو على دين قومه فنزل على كنانة بن أبي الحقيق في بني النضير فشرب معه وشرب
معه سليط بن النعمان بن أسلم - ولم تحرم الخمر يومئذ - وهو يأتي بني النضير
ويصيب من شرابهم . فذكر نعيم خروج صفوان في عيره وما معهم من الأموال فخرج من
ساعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
زيد بن حارثة في مائة راكب فاعترضوا لها فأصابوا العير . وأفلت أعيان القوم
وأسروا رجلا أو رجلين وقدموا بالعير على النبي صلى الله عليه وسلم فخمسها ، فكان
الخمس يومئذ قيمة عشرين ألف درهم وقسم ما بقي على أهل السرية . وكان في الأسرى
فرات بن حيان ، فأتي به فقيل له أسلم ، إن تسلم نتركك من القتل فأسلم فتركه من
القتل . غزوة أحد
يوم السبت لسبع خلون من شوال على
رأس اثنين وثلاثين شهرا . - ص 199 - واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المدينة ابن أم مكتوم .
حدثنا محمد بن شجاع قال حدثنا محمد
بن عمر الواقدي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم وموسى بن محمد بن إبراهيم بن
الحارث ، وعبد الله بن جعفر ، وابن أبي سبرة ومحمد بن صالح بن دينار ، ومعاذ بن
محمد وابن أبي حبيبة ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة وعبد الرحمن بن عبد
العزيز ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، ويونس بن محمد الظفري ، ومعمر بن راشد
وعبد الرحمن بن أبي الزناد وأبو معشر في رجال لم أسم فكل قد حدثني بطائفة من هذا
الحديث وبعض القوم كان أوعى له من بعض
وقد جمعت كل الذي حدثوني ، قالوا :
لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة ، والعير التي قدم بها أبو سفيان بن
حرب من الشام موقوفة في دار الندوة - وكذلك كانوا يصنعون - فلم يحركها أبو سفيان
ولم يفرقها لغيبة أهل العير مشت أشراف قريش إلى أبي سفيان بن حرب : الأسود بن
المطلب بن أسد ، وجبير بن مطعم ، وصفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، والحارث
بن هشام ، وعبد الله بن أبي ربيعة ، وحويطب بن عبد العزى ، وحجير بن أبي إهاب ،
فقالوا : يا أبا سفيان انظر هذه العير التي قدمت بها فاحتبستها ، فقد عرفت أنها
أموال أهل مكة ولطيمة قريش ، وهم طيبو الأنفس يجهزون بهذه - ص 200 - العير جيشا
إلى محمد وقد ترى من قتل من آبائنا ، وأبنائنا ، وعشائرنا .
قال أبو سفيان وقد طابت أنفس قريش
بذلك ؟ قالوا : نعم . قال فأنا أول من أجاب إلى ذلك
وبنو عبد مناف معي ، فأنا والله الموتور الثائر قد قتل ابني حنظلة ببدر وأشراف
قومي . فلم تزل العير موقوفة حتى تجهزوا للخروج إلى أحد ; فباعوها وصارت ذهبا
عينا ، فوقف عند أبي سفيان . ويقال إنما قالوا : يا أبا سفيان بع العير ثم اعزل
أرباحها . وكانت العير ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار ، وكانوا يربحون في
تجارتهم للدينار دينارا ، وكان متجرهم من الشام غزة ، لا يعدونها إلى غيرها .
وكان أبو سفيان قد حبس عير زهرة
لأنهم رجعوا من طريق بدر ، وسلم ما كان لمخرمة بن نوفل ولبني أبيه وبني عبد مناف
بن زهرة فأبى مخرمة أن يقبل عيره حتى يسلم إلى بني زهرة جميعا . وتكلم الأخنس
فقال ما لعير بني زهرة من بين عيرات قريش ؟ قال أبو سفيان لأنهم رجعوا عن قريش .
قال الأخنس أنت أرسلت إلى قريش أن ارجعوا فقد أحرزنا العير لا تخرجوا في غير شيء
فرجعنا . فأخذت زهرة عيرها ، وأخذ أقوام من أهل مكة - أهل ضعف لا عشائر لهم ولا
منعة - كل ما كان لهم في العير .
فهذا يبين أنما أخرج القوم أرباح
العير . وفيهم نزلت إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله الآية . فلما أجمعوا على المسير قالوا :
نسير في العرب فنستنصرهم فإن عبد مناة غير متخلفين عنا ، هم أوصل العرب لأرحامنا
، ومن اتبعنا من الأحابيش .
فاجتمعوا على أن يبعثوا أربعة من
قريش يسيرون - ص 201 - في العرب يدعونهم إلى نصرهم فبعثوا عمرو بن العاص ،
وهبيرة بن أبي وهب ، وابن الزبعرى ، وأبا عزة الجمحي فأطاع النفر وأبى أبو عزة
أن يسير وقال من علي محمد يوم بدر ولم يمن على غيري ، وحلفت لا أظاهر عليه عدوا
أبدا . فمشى إليه صفوان بن أمية فقال اخرج فأبى فقال عاهدت محمدا يوم بدر لا
أظاهر عليه عدوا أبدا ، وأنا أفي له بما عاهدته عليه من علي ولم يمن على غيري
حتى قتله أو أخذ منه الفداء .
فقال له صفوان اخرج معنا ، فإن تسلم
أعطك من المال ما شئت ، وإن تقتل كان عيالك مع عيالي . فأبى أبو عزة حتى كان
الغد وانصرف عنه صفوان بن أمية آيسا منه فلما كان الغد جاءه صفوان وجبير بن مطعم
، فقال له صفوان الكلام الأول فأبى ، فقال جبير ما كنت أظن أني أعيش حتى يمشي
إليك أبو وهب في أمر تأبى عليه فأحفظه فقال فأنا أخرج قال فخرج في العرب يجمعها
، وهو يقول
يا بني عبد مناة الرزام
أنتم حماة وأبوكم حام
لا تسلموني لا يحل إسلام
لا تعدوني نصركم بعد العام
قال وخرج معه النفر فألبوا العرب
وجمعوها ، وبلغوا ثقيفا فأوعبوا . فلما أجمعوا المسير وتألب من كان معهم من
العرب وحضروا ، اختلفت قريش - ص 202 - في
إخراج الظعن معهم .
فحدثني بكير بن مسمار عن زياد مولى
سعد عن نسطاس قال قال صفوان بن أمية : اخرجوا بالظعن فأنا أول من فعل فإنه أقمن
أن يحفظنكم ويذكرنكم قتلى بدر ، فإن العهد حديث ونحن قوم مستميتون لا نريد أن
نرجع إلى دارنا حتى ندرك ثأرنا أو نموت دونه . فقال عكرمة بن أبي جهل : أنا أول من أجاب إلى ما دعوت إليه . وقال عمرو بن العاص مثل
ذلك فمشى في ذلك نوفل بن معاوية الديلي فقال يا معشر قريش هذا ليس برأي أن
تعرضوا حرمكم عدوكم ولا آمن أن تكون الدائرة لهم فتفتضحوا في نسائكم .
فقال صفوان بن أمية : لا كان غير
هذا أبدا فجاء نوفل إلى أبي سفيان فقال له تلك المقالة فصاحت هند بنت عتبة : إنك
والله سلمت يوم بدر فرجعت إلى نسائك ; نعم
نخرج فنشهد القتال فقد ردت القيان من الجحفة في سفرهم إلى بدر فقتلت الأحبة
يومئذ . قال أبو سفيان لست أخالف قريشا ; أنا رجل منها ، ما فعلت فعلت . فخرجوا
بالظعن .
قالوا : فخرج أبو سفيان بن حرب
بامرأتين - هند بنت عتبة ، وأميمة بنت سعد بن وهب بن أشيم بن كنانة . وخرج صفوان
بن أمية بامرأتين برزة بنت مسعود الثقفي وهي أم عبد الله الأكبر وبامرأته البغوم
بنت المعذل بن كنانة ، وهي أم عبد الله بن صفوان الأصغر . وخرج طلحة بن أبي طلحة
بامرأته سلافة بنت سعد بن شهيد وهي من الأوس ، وهي أم بني طلحة أم مسافع والحارث
وكلاب وجلاس - ص 203 - بني طلحة .
وخرج عكرمة بن أبي جهل بامرأته أم
جهيم بنت الحارث بن هشام . وخرج الحارث بن هشام بامرأته فاطمة بنت الوليد بن
المغيرة . وخرج عمرو بن العاص بامرأته هند بنت منبه بن الحجاج ، وهي أم عبد الله
بن عمرو بن العاص . وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب مع ابنها أبي عزيز بن عمير
العبدري . وخرج الحارث بن سفيان بن عبد الأسد بامرأته رملة بنت طارق بن علقمة .
وخرج كنانة بن علي بن ربيعة بن عبد
العزى بامرأته أم حكيم بنت طارق . وخرج سفيان بن عويف بامرأته قتيلة بنت عمرو بن
هلال . وخرج النعمان وجابر ابنا مسك الذئب بأمهما الدغنية . وخرج غراب بن سفيان بن عويف بامرأته عمرة بنت الحارث بن
علقمة وهي التي رفعت لواء قريش حين سقط حتى تراجعت قريش إلى لوائها . قالوا :
وخرج سفيان بن عويف بعشرة من ولده وحشدت بنو كنانة . وكانت الألوية يوم خرجوا من
مكة ثلاثة ألوية عقدوها في دار الندوة - لواء يحمله سفيان بن عويف ولواء في
الأحابيش يحمله رجل منهم ولواء يحمله طلحة بن أبي طلحة . ويقال خرجت قريش ولفها
على لواء واحد يحمله طلحة بن أبي طلحة . قال ابن واقد : وهو أثبت عندنا .
للواقدي-الجزء الأول
وخرجت قريش وهم ثلاثة آلاف بمن ضوى
إليهم وكان فيهم من ثقيف مائة رجل وخرجوا بعدة وسلاح كثير ، وقادوا مائتي فرس
وكان فيهم سبعمائة دارع وثلاثة آلاف بعير . فلما أجمعوا المسير كتب - ص 204 - العباس بن عبد المطلب كتابا وختمه واستأجر رجلا من بني غفار
واشترط عليه أن يسير ثلاثا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن قريشا قد
أجمعت المسير إليك فما كنت صانعا إذا حلوا بك فاصنعه . وقد توجهوا إليك ، وهم
ثلاثة آلاف وقادوا مائتي فرس وفيهم سبعمائة دارع وثلاثة آلاف بعير وأوعبوا من
السلاح .
فقدم الغفاري فلم يجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالمدينة ووجده بقباء فخرج حتى يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
على باب مسجد قباء يركب حماره فدفع إليه الكتاب فقرأه عليه أبي بن كعب واستكتم
أبيا ما فيه فدخل منزل سعد بن الربيع فقال في البيت أحد ؟ فقال سعد لا ، فتكلم
بحاجتك . فأخبره بكتاب العباس بن عبد المطلب ، وجعل سعد يقول يا رسول الله إني
لأرجو أن يكون في ذلك خير وقد أرجفت يهود المدينة والمنافقون وقالوا : ما جاء محمدا شيء يحبه . فانصرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة واستكتم سعدا الخبر . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرجت امرأة سعد بن الربيع إليه فقالت ما قال لك رسول الله ؟ فقال ما لك ولذلك لا
أم لك ؟ قالت قد كنت أسمع عليك .
وأخبرت سعدا الخبر ، فاسترجع سعد
وقال لا أراك تستمعين علينا وأنا أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم
بحاجتك ثم أخذ يجمع لبتها ، ثم خرج يعدو بها حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالجسر وقد بلحت فقال يا رسول - ص 205 - الله إن امرأتي سألتني عما قلت ،
فكتمتها فقالت قد سمعت قول رسول الله فجاءت بالحديث كله فخشيت يا رسول الله أن
يظهر من ذلك شيء فتظن أني أفشيت سرك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خل
سبيلها . وشاع الخبر في الناس بمسير قريش ، وقدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر من
خزاعة . ساروا من مكة أربعا ، فوافوا قريشا وقد عسكروا بذي طوى ، فأخبروا رسول
الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، ثم انصرفوا فوجدوا قريشا ببطن رابغ فنكبوا عن
قريش - ورابغ على ليال من المدينة .
فحدثني عبد الله بن عمرو بن زهير عن
عبد الله بن عمرو بن أبي حكيمة الأسلمي قال لما أصبح أبو سفيان بالأبواء أخبر أن
عمرو بن سالم وأصحابه راحوا أمس ممسين إلى مكة ، فقال أبو سفيان أحلف بالله أنهم
جاءوا محمدا فخبروه بمسيرنا ، وحذروه وأخبروه بعددنا ، فهم الآن يلزمون صياصيهم
فما أرانا نصيب منهم شيئا في وجهنا . فقال صفوان إن لم يصحروا لنا عمدنا إلى نخل
الأوس والخزرج فقطعناه فتركناهم ولا أموال لهم فلا يجتبرونها أبدا ، وإن أصحروا
لنا فعددنا أكثر من عددهم وسلاحنا أكثر من سلاحهم ولنا خيل ولا خيل معهم ونحن
نقاتل على وتر عندهم ولا وتر لهم عندنا .
وكان أبو عامر الفاسق قد خرج في
خمسين رجلا من أوس الله حتى قدم بهم مكة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة ، فأقام مع قريش وكان دعا قومه فقال لهم إن محمدا ظاهر فاخرجوا بنا إلى
قوم نوازرهم .
- ص
206 - فخرج إلى قريش يحرضها ويعلمها أنها على الحق وما جاء به محمد باطل فسارت
قريش إلى بدر ولم يسر معها ، فلما خرجت قريش إلى أحد سار معها ، وكان يقول لقريش
إني لو قدمت على قومي لم يختلف عليكم منهم رجلان وهؤلاء معي نفر من قومي وهم
خمسون رجلا . فصدقوه بما قال وطمعوا بنصره . للواقدي-الجزء الأول
وخرج النساء معهن الدفوف يحرضن
الرجال ويذكرنهم قتلى بدر في كل منزل وجعلت قريش ينزلون كل منهل ينحرون ما نحروا
من الجزر مما كانوا جمعوا من العير ويتقوون به في مسيرهم ويأكلون من أزوادهم مما
جمعوا من الأموال . وكانت قريش لما مرت بالأبواء قالت إنكم قد خرجتم بالظعن معكم
ونحن نخاف على نسائنا . فتعالوا ننبش قبر أم محمد فإن
النساء عورة فإن يصب من نسائكم أحدا قلتم هذه رمة أمك ; فإن كان برا بأمه كما
يزعم فلعمري ليفادينكم برمة أمه وإن لم يظفر بأحد من نسائكم فلعمري ليفدين رمة
أمه بمال كثير إن كان بها برا . واستشار أبو سفيان بن حرب أهل الرأي
من قريش في ذلك فقالوا : لا تذكر من هذا شيئا ، فلو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة
موتانا .
وكانت قريش يوم الخميس بذي الحليفة
صبيحة عشر من مخرجهم من مكة ، لخمس ليال مضين من شوال على رأس اثنين وثلاثين
شهرا ، ومعهم ثلاثة آلاف بعير ومائتا فرس . فلما أصبحوا بذي الحليفة خرج فرسان
فأنزلهم بالوطاء . وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عينين له أنسا ومؤنسا ابني
فضالة ليلة الخميس فاعترضا لقريش بالعقيق فسارا معهم حتى نزلوا - ص 207 -
بالوطاء . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه .
وكان المسلمون قد ازدرعوا العرض -
والعرض ما بين الوطاء بأحد إلى الجرف ، إلى العرصة ، عرصة البقل اليوم - وكان
أهله بنو سلمة ، وحارثة وظفر وعبد الأشهل وكان الماء يومئذ بالجرف أنشاطا ، لا
يريم سائق الناضح مجلسا واحدا ، ينفتل الجمل في ساعة حتى ذهبت بمياهه عيون
الغابة التي حفر معاوية بن أبي سفيان . فكانوا قد أدخلوا آلة زرعهم ليلة الخميس
المدينة ، فقدم المشركون على زرعهم وخلوا فيه إبلهم وخيولهم - وقد شرب الزرع في
الدقيق وكان لأسيد بن حضير في العرض عشرون ناضحا يسقي شعيرا - وكان المسلمون قد حذروا على جمالهم وعمالهم وآلة حرثهم . وكان
المشركون يرعون يوم الخميس حتى أمسوا ، فلما أمسوا جمعوا الإبل وقصلوا عليها
القصيل وقصلوا على خيولهم ليلة الجمعة فلما أصبحوا يوم الجمعة خلوا ظهرهم في
الزرع وخيلهم حتى تركوا العرض ليس به خضراء .
فلما نزلوا وحلوا العقد واطمأنوا ،
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح إلى القوم ، فدخل
فيهم وحزر ونظر إلى جميع ما يريد وبعثه سرا وقال للحباب لا تخبرني بين أحد من
المسلمين - ص 208 - إلا أن ترى قلة . فرجع إليه فأخبره خاليا ، فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت ؟ قال رأيت يا رسول الله عددا ، حزرتهم ثلاثة
آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا ، والخيل مائتي فرس ورأيت دروعا ظاهرة حزرتها
سبعمائة درع . قال هل رأيت ظعنا ؟ قال رأيت النساء معهن الدفاف والأكبار -
الأكبار يعني الطبول . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يحرضن القوم
ويذكرنهم قتلى بدر ، هكذا جاءني خبرهم لا تذكر من شأنهم حرفا ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، اللهم بك أجول وبك أصول .
وخرج سلمة بن سلامة بن وقش يوم
الجمعة حتى إذا كان بأدنى العرض إذا طليعة خيل المشركين عشرة أفراس فركضوا في
أثره فوقف لهم على نشز من الحرة ، فراشقهم بالنبل مرة وبالحجارة مرة حتى انكشفوا
عنه . فلما ولوا جاء إلى مزرعته بأدنى العرض ، فاستخرج سيفا كان له ودرع حديد
كانا دفنا في ناحية المزرعة فخرج بهما يعدو حتى أتى بني عبد الأشهل فخبر قومه
بما لقي منهم . وكان مقدمهم يوم الخميس لخمس ليال
خلون من شوال وكانت الوقعة يوم السبت لسبع خلون من شوال .
وباتت وجوه الأوس والخزرج : سعد بن
معاذ ، وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ، في عدة ليلة الجمعة عليهم السلاح في
المسجد بباب النبي صلى الله عليه وسلم خوفا من بيات المشركين وحرست المدينة تلك
الليلة حتى أصبحوا . ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا ليلة الجمعة فلما أصبح
رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع المسلمون خطب .
- ص
209 - فحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر
بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، قال ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر .
فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال أيها الناس . إني رأيت في منامي رؤيا ، رأيت كأني
في درع حصينة ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته ورأيت بقرا تذبح .
ورأيت كأني مردف كبشا . فقال الناس يا رسول الله . فما
أولتها ؟ قال أما الدرع الحصينة فالمدينة . فامكثوا
فيها ; وأما انقصام سيفي من عند ظبته فمصيبة في نفسي ; وأما البقر المذبح فقتلى
في أصحابي ، وأما مردف كبشا ، فكبش الكتيبة نقتله إن شاء الله . وحدثني عمر بن
عقبة عن سعيد . قال سمعت ابن عباس يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم وأما
انقصام سيفي ، فقتل رجل من أهل بيتي
حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري ،
عن عروة عن المسور بن مخرمة . قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت في سيفي
فلا فكرهته فهو الذي أصاب وجهه صلى الله عليه وسلم .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم
أشيروا علي ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا
، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوافق على مثل ما رأى وعلى ما عبر عليه
الرؤيا .
فقام عبد الله بن أبي فقال يا رسول
الله . كنا نقاتل في الجاهلية فيها ، ونجعل - ص 210 - النساء والذراري في هذه
الصياصي ، ونجعل معهم الحجارة . والله لربما مكث الولدان شهرا
ينقلون الحجارة إعدادا لعدونا ، ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل
ناحية وترمي المرأة والصبي من فوق الصياصي والآطام ونقاتل بأسيافنا في السكك .
يا رسول الله إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط ، وما خرجنا إلى عدو قط إلا أصاب
منا ، وما دخل علينا قط إلا أصبناه فدعهم يا رسول الله فإنهم إن أقاموا أقاموا
بشر محبس وإن رجعوا رجعوا خائبين مغلوبين لم ينالوا خيرا . يا رسول الله أطعني
في هذا الأمر واعلم أني ورثت هذا الرأي من أكابر قومي وأهل الرأي منهم فهم كانوا
أهل الحرب والتجربة .
وكان رأي رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع رأي ابن أبي ، وكان ذلك رأي الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم من المهاجرين والأنصار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امكث في
المدينة ، واجعلوا النساء والذراري في الآطام فإن دخلوا علينا قاتلناهم في
الأزقة فنحن أعلم بها منهم وارموا من فوق الصياصي والآطام . فكانوا قد شبكوا
المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن . فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا ،
وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى عدوهم ورغبوا في الشهادة
وأحبوا لقاء العدو اخرج بنا إلى عدونا
وقال رجال من أهل السن وأهل النية
منهم حمزة بن عبد المطلب ، وسعد بن عبادة ، والنعمان بن مالك بن ثعلبة في غيرهم
من الأوس والخزرج : إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم
جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا ، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة - ص
211 - رجل فظفرك الله عليهم ونحن اليوم بشر كثير ، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو
الله به فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا . ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرى
من إلحاحهم كاره وقد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم يتسامون كأنهم الفحول .
وقال مالك بن سنان أبو أبي سعيد
الخدري يا رسول الله نحن والله بين إحدى الحسنيين - إما يظفرنا الله بهم فهذا
الذي نريد فيذلهم الله لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر ، فلا يبقى منهم إلا
الشريد والأخرى يا رسول الله يرزقنا الله الشهادة . والله يا رسول الله ما أبالي
أيهما كان إن كلا لفيه الخير فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليه
قولا ، وسكت . فقال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه والذي أنزل عليك الكتاب لا
أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة . وكان يقال كان حمزة يوم
الجمعة صائما ، ويوم السبت صائما ، فلاقاهم وهو صائم .
قالوا : وقال النعمان بن مالك بن
ثعلبة أخو بني سالم يا رسول الله أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك وأني
منهم فلم تحرمنا الجنة ؟ فوالذي لا إله إلا هو لأدخلنها . قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم بم ؟ قال إني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف . فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم صدقت فاستشهد يومئذ
وقال إياس بن أوس بن عتيك يا رسول
الله نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح نرجو - ص 212 - يا
رسول الله أن نذبح في القوم ويذبح فينا ، فنصير إلى الجنة ويصيرون إلى النار مع
أني يا رسول الله لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فيقولون حصرنا محمدا في صياصي
يثرب وآطامها فيكون هذا جرأة لقريش وقد وطئوا سعفنا فإذا لم نذب عن عرضنا لم
نزرع وقد كنا يا رسول الله في جاهليتنا والعرب يأتوننا ، ولا يطمعون بهذا منا
حتى نخرج إليهم بأسيافنا حتى نذبهم عنا ، فنحن اليوم أحق إذ أيدنا الله بك ،
وعرفنا مصيرنا ، لا نحصر أنفسنا في بيوتنا .
وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال
يا رسول الله إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن
تبعها من أحابيشها ، ثم جاءونا قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا
فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا ، ثم يرجعون وافرين لم يكلموا ، فيجرئهم ذلك علينا
حتى يشنوا الغارات علينا ، ويصيبوا أطرافنا ، ويضعوا العيون والأرصاد علينا ، مع
ما قد صنعوا بحروثنا ، ويجترئ علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا إذا رأونا لم
نخرج إليهم فنذبهم عن جوارنا وعسى الله أن يظفرنا بهم فتلك عادة الله عندنا ، أو
تكون الأخرى فهي الشهادة . لقد أخطأتني وقعة بدر وقد كنت عليها حريصا ، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في
الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة وقد كنت حريصا على الشهادة . وقد رأيت ابني
البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها وهو يقول الحق بنا
ترافقنا في الجنة ، - ص 213 - فقد وجدت ما وعدني ربي حقا وقد والله يا رسول الله
أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة ، وقد كبرت سني ، ورق عظمي ، وأحببت لقاء ربي
، فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة . فدعا له
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقتل بأحد شهيدا
وقالوا : قال أنس بن قتادة : يا
رسول الله هي إحدى الحسنيين إما الشهادة وإما الغنيمة والظفر في قتلهم . فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخاف عليكم الهزيمة
قالوا : فلما أبوا إلا الخروج صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس ثم وعظ الناس وأمرهم بالجد والجهاد
وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا . ففرح الناس بذلك حيث أعلمهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالشخوص إلى عدوهم وكره ذلك المخرج بشر كثير من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
العصر بالناس وقد حشد الناس وحضر أهل العوالي ، ورفعوا النساء في الآطام فحضرت
بنو عمرو بن عوف ولفها والنبيت [ ولفها ] وتلبسوا السلاح .
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيته ودخل معه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فعمماه ولبساه وصف الناس له ما بين
حجرته إلى منبره ينتظرون خروجه فجاءهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا : قلتم
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلتم واستكرهتموه على الخروج والأمر ينزل عليه
من السماء فردوا الأمر إليه فما أمركم - ص 214 - فافلعوه وما رأيتم له فيه هوى
أو رأي فأطيعوه . فبينا القوم على ذلك من الأمر وبعض القوم يقول القول ما قال
سعد وبعضهم على البصيرة على الشخوص وبعضهم للخروج كاره إذ خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد لبس لأمته وقد لبس الدرع فأظهرها ، وحزم وسطها بمنطقة من
حمائل سيف من أدم كانت عند آل أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
واعتم وتقلد السيف .
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم ندموا جميعا على ما صنعوا ، وقال الذين يلحون على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما كان لنا أن نلح على رسول الله في أمر يهوى خلافه . وندمهم أهل الرأي
الذين كانوا يشيرون بالمقام فقالوا : يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك فاصنع
ما بدا لك ، [ وما كان لنا أن نستكرهك والأمر إلى الله ثم إليك ] . فقال قد
دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم
الله بينه وبين أعدائه . وكانت الأنبياء قبله إذا لبس النبي لأمته لم يضعها حتى
يحكم الله بينه وبين أعدائه .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم .
حدثني يعقوب بن محمد الظفري ، عن أبيه قال كان مالك بن عمرو النجاري مات يوم
الجمعة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته ثم خرج - وهو موضوع
عند موضع الجنائز - صلى عليه ثم دعا بدابته فركب إلى أحد .
حدثنا أسامة بن زيد عن أبيه قال قال
له جعال بن سراقة وهو موجه إلى أحد : يا رسول الله إنه قيل لي إنك تقتل غدا وهو
يتنفس - ص 215 - مكروبا ، فضرب النبي صلى الله عليه
وسلم بيده في صدره وقال أليس الدهر كله غدا ؟ ثم دعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ودفع لواء
الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن الجموح - ويقال إلى سعد بن عبادة - ودفع لواء
المهاجرين إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ويقال إلى مصعب بن عمير .
ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم
بفرسه فركبه وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم القوس وأخذ قناة بيده - زج الرمح يومئذ من شبه - والمسلمون متلبسون السلاح قد أظهروا
الدروع فيهم مائة دارع . فلما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج السعدان
أمامه يعدوان - سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ - كل واحد منهما دارع والناس عن
يمينه وعن شماله حتى سلك على البدائع ثم زقاق الحسي حتى أتى الشيخين - وهما
أطمان كانا في الجاهلية فيهما شيخ أعمى وعجوز عمياء يتحدثان فسمي الأطمان
الشيخين - حتى انتهى إلى رأس الثنية ، التفت فنظر إلى كتيبة خشناء لها زجل خلفه
فقال ما هذه ؟ قالوا : يا رسول الله هؤلاء حلفاء ابن أبي من يهود . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستنصر بأهل الشرك على
- ص 216 - أهل الشرك . ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الشيخين فعسكر
به . وعرض عليه غلمان عبد الله بن عمر ،
وزيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن عازب ،
وأسيد بن ظهير ، وعرابة بن أوس ، وأبو سعيد الخدري ، وسمرة بن جندب ، ورافع بن
خديج ، فردهم . قال رافع بن خديج ، فقال ظهير بن رافع يا رسول الله إنه رام
وجعلت أتطاول وعلي خفان لي . فأجازني رسول الله صلى الله عليه
وسلم . فلما أجازني قال سمرة بن جندب لربيبه مري بن سنان الحارثي ، وهو زوج أمه
يا أبت أجاز رسول الله رافع بن خديج وردني ، وأنا أصرع رافع بن خديج . فقال مري
بن سنان الحارثي : يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصارعا فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله صلى
الله عليه وسلم - وكانت أمه امرأة من بني أسد .
وأقبل ابن أبي فنزل ناحية من العسكر
فجعل حلفاؤه ومن معه من المنافقين يقولون لابن أبي أشرت عليه بالرأي ونصحته
وأخبرته أن هذا رأي من مضى من آبائك ; وكان ذلك رأيه مع رأيك فأبى أن يقبله
وأطاع هؤلاء الغلمان الذين معه فصادفوا من ابن أبي نفاقا وغشا .
فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالشيخين . وبات ابن أبي في أصحابه وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرض
أصحابه . وغابت الشمس فأذن بلال بالمغرب فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأصحابه - ص 217 - ثم أذن بالعشاء فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل في بني النجار . واستعمل رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا ، يطوفون بالعسكر حتى أدلج
رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان المشركون قد رأوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم حيث أدلج ونزل بالشيخين فجمع خيلهم وظهرهم واستعملوا على حرسهم عكرمة بن
أبي جهل في خيل من المشركين وباتت صاهلة خيلهم لا تهدأ وتدنو طلائعهم حتى تلصق
بالحرة فلا تصعد فيها حتى ترجع خيلهم ويهابون موضع الحرة ومحمد بن مسلمة .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال حين صلى العشاء من يحفظنا الليلة ؟ فقام رجل فقال أنا يا رسول الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنت ؟ قال ذكوان بن عبد قيس . قال اجلس .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يحفظنا هذه الليلة ؟ فقام رجل فقال
أنا . فقال من أنت ؟ قال أنا أبو سبع . قال اجلس . ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من رجل يحفظنا هذه الليلة ؟ فقام رجل فقال أنا . فقال ومن أنت ؟ قال
ابن عبد قيس . قال اجلس . ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال قوموا
ثلاثتكم . فقام ذكوان بن عبد قيس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين
صاحباك ؟ فقال ذكوان : أنا الذي كنت أجبتك الليلة . قال فاذهب حفظك الله قال
فلبس درعه وأخذ درقته وكان يطوف بالعسكر تلك الليلة ويقال كان يحرس رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم يفارقه .
ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى أدلج فلما كان في السحر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الأدلاء ؟ من
رجل يدلنا على الطريق - ص 218 - ويخرجنا على القوم من كثب ؟ فقام أبو حثمة
الحارثي فقال أنا يا رسول الله . ويقال أوس بن قيظي ويقال محيصة - وأثبت ذلك
عندنا أبو حثمة . قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فركب فرسه فسلك به في
بني حارثة ثم أخذ في الأموال حتى يمر بحائط مربع بن قيظي . وكان أعمى البصر
منافقا ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حائطه قام يحثي التراب
في وجوههم وجعل يقول إن كنت رسول الله فلا تدخل حائطي . فيضربه سعد بن زيد
الأشهلي بقوس في يده فشجه في رأسه فنزل الدم فغضب له بعض بني حارثة ممن هو على
مثل رأيه فقال هي عداوتكم يا بني عبد الأشهل لا تدعونها أبدا لنا . فقال أسيد بن
حضير لا والله ولكنه نفاقكم . والله لولا أني لا أدري ما يوافق النبي صلى الله
عليه وسلم من ذلك لضربت عنقه وعنق من هو على مثل رأيه فأسكتوا .
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبينا هو في مسيره إذ ذب فرس أبي بردة بن نيار بذنبه فأصاب كلاب سيفه فسل سيفه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا صاحب السيف شم سيفك ، فإني إخال السيوف
ستسل فيكثر سلها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة . -
ص 219 -
ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الشيخين درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد ، فلبس درعا أخرى ، ومغفرا وبيضة فوق
المغفر . فلما نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيخين زحف المشركون على
تعبية حتى انتهوا إلى موضع أرض ابن عامر اليوم . فلما
انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد - إلى موضع القنطرة اليوم - جاء وقد حانت الصلاة وهو يرى المشركين أمر بلالا فأذن وأقام
وصلى بأصحابه الصبح صفوفا ; وارتحل ابن أبي من ذلك المكان في كتيبة كأنه هيق
يقدمهم فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام فقال أذكركم الله ودينكم ونبيكم وما
شرطتم له أن تمنعوه مما تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونساءكم . فقال ابن أبي : ما
أرى يكون بينهم قتال ولئن أطعتني يا أبا جابر لترجعن ، فإن أهل الرأي والحجا قد
رجعوا ، ونحن ناصروه في مدينتنا ، وقد خالفنا وأشرت عليه بالرأي فأبى إلا طواعية
الغلمان . فلما أبى على عبد الله أن يرجع ودخلوا أزقة المدينة ، قال لهم أبو
جابر أبعدكم الله إن الله سيغني النبي والمؤمنين عن نصركم فانصرف ابن أبي وهو
يقول أيعصيني ويطيع الولدان ؟ وانصرف عبد الله بن عمرو بن حرام يعدو حتى لحق
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسوي الصفوف . فلما أصيب أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم سر ابن أبي ، وأظهر الشماتة وقال عصاني وأطاع من لا رأي له
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصف أصحابه وجعل الرماة خمسين رجلا على عينين ، عليهم عبد الله بن جبير ، وقيل
عليهم - ص 220 - سعد بن أبي وقاص . قال ابن واقد : والثبت
عندنا عبد الله بن جبير . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف أصحابه وجعل
أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة ، وجعل عينين عن يساره وأقبل المشركون فاستدبروا
المدينة في الوادي واستقبلوا أحدا . ويقال جعل النبي صلى الله عليه وسلم عينين
خلف ظهره واستدبر الشمس واستقبلها المشركون - والقول
الأول أثبت عندنا ، أن أحدا خلف ظهره وهو مستقبل المدينة .
حدثني يعقوب بن محمد الظفري ، عن
الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو ، عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن قال لما انتهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، والقوم نزول بعينين أتى أحدا حتى جعله
خلف ظهره . قال ونهى أن يقاتل أحد حتى يأمره فلما سمع بذلك عمارة بن يزيد بن
السكن قال أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب ؟
وأقبل المشركون قد صفوا صفوفهم
واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد ، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل . ولهم
مجنبتان مائتا فرس وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية - ويقال عمرو بن العاص - وعلى
الرماة عبد الله بن أبي ربيعة ، وكانوا مائة رام . ودفعوا اللواء إلى طلحة بن
أبي طلحة - واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي .
وصاح أبو سفيان يومئذ يا بني عبد الدار نحن نعرف أنكم - ص 221 - أحق باللواء منا إنا إنما أتينا يوم بدر من اللواء وإنما
يؤتى القوم من قبل لوائهم فالزموا لواءكم وحافظوا عليه وخلوا بيننا وبينه فإنا
قوم مستميتون موتورون نطلب ثأرا حديث العهد . وجعل أبو سفيان يقول إذا زالت
الألوية فما قوام الناس وبقاؤهم بعدها فغضب بنو عبد الدار وقالوا : نحن نسلم
لواءنا ؟ لا كان هذا أبدا ، فأما المحافظة عليه فسترى ثم أسندوا الرماح إليه
وأحدقت بنو عبد الدار باللواء وأغلظوا لأبي سفيان بعض الإغلاظ . فقال أبو سفيان
فنجعل لواء آخر ؟ قالوا : نعم ولا يحمله إلا رجل من بني عبد الدار لا كان غير
ذلك أبدا
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمشي على رجليه يسوي تلك الصفوف ويبوئ أصحابه للقتال يقول تقدم يا فلان وتأخر يا
فلان حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخره فهو يقومهم كأنما يقوم بهم القداح
حتى إذا استوت الصفوف سأل من يحمل لواء المشركين ؟ قيل بنو عبد الدار . قال نحن
أحق بالوفاء منهم . أين مصعب بن عمير ؟ قال ها أنا ذا قال خذ اللواء . فأخذه
مصعب بن عمير ، فتقدم به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فخطب الناس فقال يا أيها الناس أوصيكم بما أوصاني الله في كتابه من العمل
بطاعته والتناهي عن محارمه . ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم
وطن نفسه له على الصبر واليقين والجد والنشاط فإن جهاد العدو شديد شديد كربه - ص
222 - قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله رشده فإن الله مع من أطاعه وإن الشيطان
مع من عصاه فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم الله
وعليكم بالذي أمركم به فإني حريص على رشدكم فإن الاختلاف والتنازع والتثبيط من
أمر العجز والضعف مما لا يحب الله ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر . يا أيها
الناس جدد في صدري أن من كان على حرام فرق الله بينه وبينه ومن رغب له عنه غفر
الله ذنبه ومن صلى علي صلى الله عليه وملائكته عشرا ، ومن أحسن من مسلم أو كافر
وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا
مملوكا ، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه والله غني حميد . ما أعلم من عمل
يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد
نهيتكم عنه . وإنه قد نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى
رزقها ، لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها . فاتقوا الله ربكم وأجملوا في طلب الرزق
ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم فإنه لا يقدر على ما عنده إلا
بطاعته . قد بين لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر لم يعلمها كثير
من الناس إلا من عصم فمن تركها حفظ عرضه ودينه ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب
الحمى أوشك أن يقع فيه . وليس ملك إلا - ص 223 - وله حمى ، ألا وإن حمى الله
محارمه . والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر الجسد
. والسلام عليكم
حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رباح
عن المطلب بن عبد الله قال إن أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر طلع في خمسين من
قومه معه عبيد قريش ، فنادى أبو عامر وهو عبد عمرو : يا
آل أوس أنا أبو عامر فقالوا : لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق فقال لقد أصاب قومي بعدي شر ومعه عبيد أهل مكة ، فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتى
تراضخوا بها ساعة حتى ولى أبو عامر وأصحابه ودعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز
ويقال إن العبيد لم يقاتلوا ، وأمروهم بحفظ عسكرهم .
قال وجعل نساء المشركين قبل أن
يلتقي الجمعان أمام صفوف المشركين يضربن بالأكبار والدفاف والغرابيل ثم يرجعن
فيكن في مؤخر الصف حتى إذا دنوا منا تأخر النساء يقمن خلف الصفوف فجعلن كلما ولى
رجل حرضنه وذكرنه قتلاهم ببدر .
وكان قزمان من المنافقين وكان قد
تخلف عن أحد ، فلما أصبح عيره نساء بني ظفر فقلن يا قزمان . قد خرج الرجال وبقيت
يا قزمان ، ألا تستحيي مما صنعت ؟ ما أنت إلا امرأة خرج قومك فبقيت في الدار
فأحفظنه فدخل بيته فأخرج قوسه وجعبته وسيفه - وكان
يعرف بالشجاعة - ص 224 - فخرج يعدو حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يسوي صفوف المسلمين فجاء من خلف الصفوف حتى انتهى إلى الصف الأول فكان فيه .
وكان أول من رمى بسهم من المسلمين . فجعل يرسل نبلا كأنها الرماح وإنه ليكت كتيت
الجمل . ثم صار إلى السيف ففعل الأفاعيل حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه . وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره قال من أهل النار . فلما انكشف المسلمون
كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن من الفرار يا آل أوس قاتلوا على الأحساب
واصنعوا مثل ما أصنع قال فيدخل بالسيف وسط المشركين حتى يقال قد قتل ثم يطلع
ويقول أنا الغلام الظفري حتى قتل منهم سبعة وأصابته الجراحة وكثرت به فوقع . فمر
به قتادة بن النعمان فقال أبا الغيداق قال له قزمان : يا لبيك قال هنيئا لك
الشهادة قال قزمان : إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين ما قاتلت إلا على
الحفاظ أن تسير قريش إلينا حتى تطأ سعفنا . فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم
جراحته فقال من أهل النار . فأندبته الجراحة فقتل نفسه . فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .
المغازي للواقدي-الجزء الأول
قالوا : وتقدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الرماة فقال احموا لنا ظهورنا ، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا ،
والزموا مكانكم لا تبرحوا منه وإن رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا
مكانكم وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدفعوا عنا ، اللهم إني أشهدك عليهم
وارشقوا خيلهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل - ص 225 - وكان للمشركين
مجنبتان ميمنة عليها خالد بن الوليد ، وميسرة عليها عكرمة بن أبي جهل . قالوا :
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمنة وميسرة ودفع لواءه الأعظم إلى مصعب بن
عمير رضي الله عنه ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ولواء الخزرج إلى سعد أو
حباب . والرماة يحمون ظهورهم يرشقون خيل
المشركين بالنبل فتولي هوارب قال بعض الرماة لقد رمقت نبلنا ، ما رأيت سهما
واحدا مما نرمي به خيلهم يقع بالأرض إلا في فرس أو رجل . قالوا : ودنا القوم
بعضهم من بعض وقدموا صاحب لوائهم طلحة بن أبي طلحة وصفوا صفوفهم وأقاموا النساء
خلف الرجال بين أكتافهم يضربن بالأكبار والدفوف وهند وصواحبها يحرضن ويذمرن
الرجال ويذكرن من أصيب ببدر ويقلن
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
وصاح طلحة بن أبي طلحة من يبارز ؟
فقال علي عليه السلام هل لك في البراز ؟ قال طلحة نعم . فبرزا بين الصفين ورسول
الله صلى الله عليه وسلم جالس تحت الراية عليه درعان ومغفر وبيضة فالتقيا - ص
226 - فبدره علي فضربه على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته حتى انتهى إلى لحيته فوقع
طلحة وانصرف علي عليه السلام . فقيل لعلي ألا ذففت عليه ؟ قال إنه لما صرع
استقبلتني عورته فعطفني عليه الرحم وقد علمت أن الله تبارك وتعالى سيقتله - هو
كبش الكتيبة .
ويقال حمل عليه طلحة فاتقاه علي
بالدرقة فلم يصنع سيفه شيئا . وحمل عليه علي عليه السلام وعلى طلحة درع مشمرة
فضرب ساقيه فقطع رجليه ثم أراد أن يذفف عليه فسأله بالرحم فتركه علي فلم يذفف
عليه حتى مر به بعض المسلمين فذفف عليه . ويقال إن عليا ذفف عليه . فلما قتل
طلحة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهر التكبير وكبر المسلمون . ثم شد
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتائب المشركين فجعلوا يضربون حتى نقضت
صفوفهم وما قتل إلا طلحة .
ثم حمل لواءهم بعد طلحة عثمان بن
أبي طلحة ، أبو شيبة وهو أمام النسوة يرتجز ويقول
إن على أهل اللواء حقا
أن تخضب الصعدة أو تندقا
فتقدم باللواء والنساء يحرضن ويضربن
بالدفوف وحمل عليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فضربه بالسيف على كاهله فقطع
يده - ص 227 - وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره حتى بدا سحره ثم رجع وهو يقول أنا ابن
ساقي الحجيج ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة ، فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته
وكان دارعا وعليه مغفر لا رفرف له فكانت حنجرته بادية فأدلع لسانه إدلاع الكلب .
ويقال إن أبا سعد لما حمل اللواء قام النساء خلفه يقلن
ضربا بني عبد الدار
ضربا حماة الأدبار
ضربا بكل بتار
فقال سعد بن أبي وقاص : فأضربه
فأقطع يده اليمنى . فأخذ اللواء باليسرى ، فأحمل على يده اليسرى فضربتها فقطعتها
، فأخذ اللواء بذراعيه جميعا فضمه إلى صدره ثم حنى عليه ظهره . قال سعد فأدخل
سية القوس بين الدرع والمغفر فأقلع المغفر فأرمي به وراء ظهره ثم ضربته حتى
قتلته ، ثم أخذت أسلبه درعه . فنهض إلي سبيع بن عبد عوف ونفر معه
فمنعوني سلبه . وكان سلبه أجود سلب رجل من المشركين - درع فضفاضة ومغفر وسيف جيد
ولكن حيل بيني وبينه . وهذا أثبت القولين وهكذا اجتمع عليه أن سعدا قتله .
ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة
، فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح - ص 228 - وقال خذها وأنا ابن أبي الأقلح
فقتله فحمل إلى أمه سلافة بنت سعد بن الشهيد وهي مع النساء فقالت من أصابك ؟ قال
لا أدري ، سمعته يقول خذها وأنا ابن أبي الأقلح قالت سلافة أقلحي والله أي من
رهطي .
ويقال قال خذها وأنا ابن كسرة -
كانوا يقال لهم في الجاهلية بنو كسر الذهب . فقال لأمه حين سألته من قتلك ؟ قال
لا أدري ، سمعته يقول خذها وأنا ابن كسرة قالت سلافة إحدى والله كسرى تقول إنه
رجل منا . فيومئذ نذرت أن تشرب في قحف رأس عاصم بن ثابت الخمر وجعلت تقول لمن
جاء به مائة من الإبل .
ثم حمله كلاب بن طلحة بن أبي طلحة
فقتله الزبير بن العوام ، ثم حمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة ، فقتله طلحة بن
عبيد الله ، ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي عليه السلام ثم حمله شريح بن
قارظ فلسنا ندري من قتله ثم حمله صؤاب غلامهم فاختلف في قتله فقائل قال سعد بن
أبي وقاص ، وقائل علي عليه السلام وقائل قزمان - وكان أثبتهم عندنا قزمان . قال
انتهى إليه قزمان ، فحمل عليه فقطع يده اليمنى ، فاحتمل اللواء باليسرى ، ثم قطع
اليسرى فاحتضن اللواء بذراعيه وعضديه ثم حنى عليه ظهره وقال يا بني عبد الدار هل
أعذرت ؟ فحمل عليه قزمان فقتله .
- ص
229 -للواقدي-الجزء الأول
وقالوا : ما ظفر الله نبيه في موطن
قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد ، حتى عصوا الرسول وتنازعوا في الأمر . لقد قتل
أصحاب اللواء وانكشف المشركون منهزمين لا يلوون ونساؤهم يدعون بالويل بعد ضرب
الدفاف والفرح حيث التقينا . [ قال الواقدي : وقد روى كثير من الصحابة ممن شهد
أحدا ، قال كل واحد منهم ] والله إني لأنظر إلى هند وصواحبها
منهزمات ما دون أخذهن شيء لمن أراد ذلك . وكلما
أتى خالد من قبل ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم ليجوز حتى يأتي من قبل السفح
فيرده الرماة حتى فعلوا ذلك مرارا ، ولكن المسلمين أتوا من قبل الرماة . إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أوعز إليهم فقال قوموا على مصافكم هذا ، فاحموا ظهورنا
، فإن رأيتمونا قد غنمنا لا تشركونا ، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا . فلما
انهزم المشركون وتبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا حتى أجهضوهم عن
العسكر ووقعوا ينتهبون العسكر قال بعض الرماة لبعض لم تقيمون هاهنا في غير شيء ؟
قد هزم الله العدو وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا
مع إخوانكم . فقال بعض الرماة لبعض ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لكم احموا ظهورنا فلا تبرحوا مكانكم وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن
رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا ، احموا ظهورنا ؟ فقال الآخرون لم يرد رسول الله هذا
، وقد أذل الله المشركين وهزمهم فادخلوا العسكر فانتهبوا مع إخوانكم . فلما
اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير - وكان - ص 230 - يومئذ معلما بثياب بيض
- فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم أمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله
عليه وسلم وألا يخالف لرسول الله أمر فعصوا وانطلقوا ، فلم يبق من الرماة مع
أميرهم عبد الله بن جبير إلا نفير ما يبلغون العشرة فيهم الحارث بن أنس بن رافع
يقول يا قوم اذكروا عهد نبيكم إليكم وأطيعوا أميركم . قال فأبوا وذهبوا إلى عسكر
المشركين ينتهبون وخلوا الجبل وجعلوا ينتهبون وانتقضت صفوف المشركين واستدارت
رجالهم وحالت الريح وكانت أول النهار إلى أن رجعوا صبا ، فصارت دبورا حيث كر
المشركون بينا المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم .
قال نسطاس مولى صفوان بن أمية ، وكان
أسلم فحسن إسلامه كنت مملوكا فكنت فيمن خلف في العسكر ولم يقاتل يومئذ مملوك إلا
وحشي ، وصؤاب غلام بني عبد الدار . قال أبو سفيان يا معشر قريش ، خلفوا غلمانكم
على متاعكم يكونون هم الذين يقومون على رحالكم . فجمعنا بعضها إلى بعض وعقلنا
الإبل وانطلق القوم على تعبيتهم ميمنة وميسرة وألبسنا الرحال الأنطاع . ودنا
القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا ساعة ثم إذا أصحابنا منهزمون فدخل أصحاب محمد
عسكرنا ونحن في - ص 231 - الرحال ، فأحدقوا بنا ، فكنت فيمن أسروا . وانتهبوا
العسكر أقبح انتهاب حتى إن رجلا منهم قال أين مال صفوان بن أمية ؟ فقلت : ما حمل
إلا نفقة هي في الرحل . فخرج يسوقني حتى أخرجتها من العيبة خمسين ومائة مثقال .
وقد ولى أصحابنا وأيسنا منهم وانحاش النساء فهن في حجرهن سلم لمن أرادهن . وصار
النهب في أيدي الرجال فإنا لعلى ما نحن عليه من الاستسلام إلى أن نظرت إلى الجبل
فإذا الخيل مقبلة فدخلوا العسكر فلم يكن أحد يردهم قد ضيعت الثغور التي كان بها
الرماة وجاءوا إلى النهب والرماة ينتهبون وأنا أنظر إليهم متأبطي قسيهم وجعابهم
كل رجل منهم في يديه أو حضنه شيء قد أخذه فلما دخلت خيلنا دخلت على قوم غارين
آمنين فوضعوا فيهم السيوف فقتلوا فيهم قتلا ذريعا . وتفرق المسلمون في كل وجه
وتركوا ما انتهبوا وأجلوا عن عسكرنا ، فرجعنا متاعنا بعد فما فقدنا منه شيئا ،
وخلوا أسرانا ، ووجدنا الذهب في المعرك . ولقد رأيت رجلا من المسلمين ضم صفوان
بن أمية إليه ضمة ظننت أنه سيموت حتى أدركته به رمق فوجأته بخنجر معي فوقع فسألت
عنه بعد فقيل رجل من بني ساعدة . ثم هداني الله عز وجل بعد للإسلام .
فحدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن
عبد الله ، عن عمر بن الحكم قال ما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم الذين - ص 232 - أغاروا على النهب فأخذوا ما أخذوا من الذهب بقي معه من ذلك
شيء رجع به حيث غشينا المشركون واختلطوا إلا رجلين أحدهما عاصم بن ثابت بن أبي
الأقلح ، جاء بمنطقة وجدها في العسكر فيها خمسون دينارا ، فشدها على حقويه من
تحت ثيابه وجاء عباد بن بشر بصرة فيها ثلاثة عشر مثقالا ، ألقاها في جيب قميصه
وعليه قميص والدرع فوقها قد حزم
قال رافع بن خديج : فلما انصرف الرماة وبقي من بقي نظر خالد بن الوليد إلى خلاء
الجبل وقلة أهله فكر بالخيل وتبعه عكرمة في الخيل فانطلقا إلى بعض الرماة فحملوا
عليهم . فراموا القوم حتى أصيبوا ، ورامى
عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ثم كسر جفن سيفه
فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه . وأقبل جعال بن سراقة وأبو بردة بن
نيار وكانا قد حضرا قتل عبد الله بن جبير ، وهما آخر من انصرف من الجبل حتى لحقا
القوم وإن المشركين على متون الخيل فانتقضت صفوفنا . ونادى إبليس وتصور في صورة
جعال بن سراقة إن محمدا قد قتل ثلاث صرخات . فابتلي يومئذ جعال بن سراقة ببلية
عظيمة حين تصور إبليس في صورته وإن جعال ليقاتل مع المسلمين أشد القتال وإنه إلى
جنب أبي بردة بن نيار وخوات بن جبير ، فوالله ما رأينا دولة كانت أسرع من دولة
المشركين علينا . وأقبل المسلمون على جعال بن سراقة يريدون قتله يقولون هذا الذي
صاح " إن محمدا قد قتل " . فشهد له
خوات بن جبير وأبو بردة بن نيار أنه كان إلى جنبهما حين صاح الصائح وأن الصائح
غيره . قال رافع وشهدت له بعد .
- ص
233 - يقول رافع بن خديج : فكنا أتينا من قبل أنفسنا ومعصية نبينا ، واختلط
المسلمون وصاروا يقتلون ويضرب بعضهم بعضا ، ما يشعرون به من العجلة والدهش ولقد
جرح يومئذ أسيد بن حضير جرحين ضربه أحدهما أبو بردة وما يدري ، يقول خذها وأنا
الغلام الأنصاري قال وكر أبو زعنة في حومة القتال فضرب أبا بردة ضربتين ما يشعر
إنه ليقول خذها وأنا أبو زعنة حتى عرفه بعد . فكان إذا لقيه قال انظر إلى ما
صنعت بي . فيقول له أبو زعنة أنت ضربت أسيد بن حضير ولا تشعر ولكن هذا الجرح في
سبيل الله . فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هو
في سبيل الله يا أبا بردة لك أجره حتى كأنه ضربك أحد من المشركين ومن قتل فهو
شهيد وسطه . فأتيا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلم يخمسه ونفلهما
إياه .
قال رافع بن خديج : فلما انصرف
الرماة وبقي من بقي نظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل
وتبعه عكرمة في الخيل فانطلقا إلى بعض الرماة فحملوا عليهم . فراموا القوم حتى
أصيبوا ، ورامى عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ثم كسر
جفن سيفه فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه . وأقبل
جعال بن سراقة وأبو بردة بن نيار وكانا قد حضرا قتل عبد الله بن جبير ، وهما آخر
من انصرف من الجبل حتى لحقا القوم وإن المشركين على متون الخيل فانتقضت صفوفنا .
ونادى إبليس وتصور في صورة جعال بن سراقة إن محمدا قد قتل ثلاث صرخات . فابتلي
يومئذ جعال بن سراقة ببلية عظيمة حين تصور إبليس في صورته وإن جعال ليقاتل مع
المسلمين أشد القتال وإنه إلى جنب أبي بردة بن نيار وخوات بن جبير ، فوالله ما
رأينا دولة كانت أسرع من دولة المشركين علينا . وأقبل المسلمون على جعال بن
سراقة يريدون قتله يقولون هذا الذي صاح " إن
محمدا قد قتل " . فشهد له خوات بن جبير وأبو بردة بن نيار أنه كان إلى
جنبهما حين صاح الصائح وأن الصائح غيره . قال رافع وشهدت له بعد .
- ص
233 - يقول رافع بن خديج : فكنا أتينا من قبل أنفسنا ومعصية نبينا ، واختلط
المسلمون وصاروا يقتلون ويضرب بعضهم بعضا ، ما يشعرون به من العجلة والدهش ولقد
جرح يومئذ أسيد بن حضير جرحين ضربه أحدهما أبو بردة وما يدري ، يقول خذها وأنا
الغلام الأنصاري قال وكر أبو زعنة في حومة القتال فضرب أبا بردة ضربتين ما يشعر
إنه ليقول خذها وأنا أبو زعنة حتى عرفه بعد . فكان إذا لقيه قال انظر إلى ما
صنعت بي . فيقول له أبو زعنة أنت ضربت أسيد بن حضير ولا تشعر ولكن هذا الجرح في
سبيل الله . فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هو
في سبيل الله يا أبا بردة لك أجره حتى كأنه ضربك أحد من المشركين ومن قتل فهو
شهيد .
وكان اليمان حسيل بن جابر ورفاعة بن
وقش شيخين كبيرين قد رفعا في الآطام مع النساء فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لك ،
ما نستبقي من أنفسنا ، فوالله ما نحن إلا هامة اليوم أو غدا ، فما بقي من أجلنا
قدر ظمء دابة . فلو أخذنا أسيافنا فلحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل
الله يرزقنا الشهادة . قال فلحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد من النهار
. فأما رفاعة فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر فالتقت عليه سيوف المسلمين وهم
لا يعرفونه حين اختلطوا ; وحذيفة يقول أبي أبي حتى قتل . فقال
حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، ما صنعتم فزادته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، وأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته أن تخرج ويقال إن الذي أصابه عتبة بن - ص
234 - مسعود فتصدق حذيفة بن اليمان بدمه
على المسلمين .
وأقبل يومئذ الحباب بن المنذر بن
الجموح يصيح يا آل سلمة فأقبلوا عنقا واحدة لبيك داعي الله لبيك داعي الله فيضرب
يومئذ جبار بن صخر ضربة في رأسه مثقلة وما يدري ، حتى أظهروا الشعار بينهم
فجعلوا يصيحون أمت أمت فكف بعضهم عن بعض .
فحدثني الزبير بن سعد عن عبد الله
بن الفضل قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء فقتل مصعب
فأخذه ملك في صورة مصعب . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمصعب في آخر
النهار تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال لست بمصعب فعرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه ملك أيد به . وسمعت أبا معشر يقول مثل ذلك .
فحدثتني عبيدة بنت نائل عن عائشة
بنت سعد ، عن أبيها سعد بن أبي وقاص ، قال لقد رأيتني أرمي بالسهم يومئذ فيرده
علي رجل أبيض حسن الوجه ، لا أعرفه حتى كان بعد فظننت أنه ملك .
حدثني إبراهيم بن سعد ، عن أبيه عن
جده عن سعد بن أبي وقاص ، قال لقد رأيت رجلين عليهما ثياب بيض أحدهما عن يمين
رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر عن يساره يقاتلان أشد القتال ما رأيتهما
قبل ولا بعد
حدثني عبد الملك بن سليم عن قطن بن
وهب عن - ص 235 - عبيد بن عمير ، قال لما رجعت قريش من أحد جعلوا يتحدثون في
أنديتهم بما ظفروا ويقولون لم نر الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنا نراهم
يوم بدر قال عبيد بن عمير : ولم تقاتل الملائكة يوم أحد
وحدثني ابن أبي سبرة عن عبد الحميد
بن سهيل ، عن عمر بن الحكم قال لم يمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد
بملك واحد إنما كانوا يوم بدر
حدثني ابن خديج عن عمرو بن دينار ،
عن عكرمة مثله .
حدثني معمر بن راشد عن ابن أبي لحيح
عن مجاهد ، قال حضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل
حدثني سفيان بن سعيد عن عبد الله بن
عثمان عن مجاهد ، قال لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر
حدثني ابن أبي سبرة عن ثور بن زيد
عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال قد وعدهم الله أن يمدهم لو صبروا ، فلما انكشفوا
لم تقاتل الملائكة يومئذ
حدثني يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة
عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه عن أبي بشير المازني قال لما صاح الشيطان أزب
العقبة إن محمدا قد قتل لما أراد الله عز وجل من ذلك سقط في أيدي المسلمين
وتفرقوا في كل وجه وأصعدوا في الجبل . فكان أول من بشرهم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سالم كعب بن مالك . قال كعب - ص 236 - فجعلت أصيح ويشير إلي رسول الله
صلى الله عليه وسلم بإصبعه على فيه أن اسكت .
حدثني موسى بن شيبة بن عمرو بن عبد
الله بن كعب بن مالك ، عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيها ، قال
لما انكشف الناس كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرت به المؤمنين
حيا سويا . قال كعب وأنا في الشعب . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم كعبا
بلأمته - وكانت صفراء أو بعضها - فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزع رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأمته فلبسها كعب . وقاتل كعب يومئذ قتالا شديدا حتى
جرح سبعة عشر جرحا .
حدثني معمر بن راشد عن الزهري ، عن
ابن كعب بن مالك ، عن أبيه قال كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
يومئذ فعرفت عينيه من تحت المغفر فناديت : يا معشر الأنصار ، أبشروا هذا رسول
الله فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اصمت
حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رباح
عن الأعرج ، قال لما صاح الشيطان " إن محمدا قد قتل " ، قال أبو سفيان
بن حرب : يا معشر قريش ، أيكم قتل محمدا ؟ قال ابن قميئة أنا قتلته . قال نسورك
كما تفعل الأعاجم بأبطالها . وجعل أبو سفيان يطوف بأبي عامر الفاسق في المعرك هل
يرى محمدا [ بين القتلى ] ، فمر بخارجة بن زيد بن أبي زهير فقال يا
أبا سفيان هل تدري من هذا القتيل ؟ قال لا . قال هذا خارجة بن زيد بن أبي زهير
الخزرجي ، هذا سيد - ص 237 - بلحارث بن الخزرج . ومر بعباس بن
عبادة بن نضلة إلى جنبه فقال هذا ابن قوقل هذا الشريف في بيت الشرف . قال ثم مر
بذكوان بن عبد قيس ، فقال هذا من ساداتهم . ومر بابنه حنظلة فقال من هذا يا ابن
عامر ؟ قال هذ أعز من هاهنا علي هذا حنظلة بن أبي عامر . قال أبو سفيان ما نرى
مصرع محمد ولو كان قتله لرأيناه كذب ابن قميئة ولقي خالد بن الوليد فقال هل تبين
عندك قتل محمد ؟ قال خالد رأيته أقبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل . قال
أبو سفيان هذا حق كذب ابن قميئة زعم أنه قتله .
حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رباح
عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال سمعت محمد بن مسلمة يقول سمعت أذناي وأبصرت
عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ وقد انكشف الناس إلى الجبل وهم
لا يلوون عليه وإنه ليقول إلي يا فلان إلي يا فلان أنا رسول الله فما عرج منهما
واحد عليه ومضيا
حدثني ابن أبي سبرة عن أبي بكر بن
عبد الله بن أبي جهم واسم أبي جهم عبيد ، قال كان خالد بن الوليد يحدث وهو
بالشام يقول الحمد لله الذي هداني للإسلام لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطاب رحمه
الله حين جالوا وانهزموا يوم أحد ، وما معه أحد ، وإني لفي كتيبة خشناء فما عرفه
منهم أحد غيري ، فنكبت عنه وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له فنظرت إليه
موجها إلى الشعب .
حدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد
الله بن أبي فروة عن أبي الحويرث عن - ص 238 - نافع بن جبير ، قال سمعت رجلا من
المهاجرين يقول شهدت أحدا فنظرت إلى النبل تأتي من كل ناحية ورسول الله صلى الله
عليه وسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه . ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول
يومئذ دلوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما
معه أحد ، ثم جاوزه ولقي عبد الله بن شهاب صفوان بن أمية ، فقال صفوان ترحت ،
ألم يمكنك أن تضرب محمدا فتقطع هذه الشأفة فقد أمكنك الله منه ؟ قال وهل رأيته ؟
قال نعم أنت إلى جنبه . قال والله ما رأيته . أحلف بالله إنه منا ممنوع خرجنا
أربعة تعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك
حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رباح
عن يعقوب بن عمر بن قتادة ، عن نملة بن أبي نملة - واسم
أبي نملة عبد الله بن معاذ وكان أبوه معاذ أخا للبراء بن معرور لأمه - فقال لما انكشف المسلمون ذلك اليوم نظرت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما معه أحد إلا نفير فأحدق به أصحابه من المهاجرين والأنصار
وانطلقوا به إلى الشعب ; وما للمسلمين لواء قائم ولا فئة ولا جمع ، وإن كتائب
المشركين لتحوشهم مقبلة ومدبرة في الوادي ، يلتقون ويفترقون ما يرون أحدا من
الناس يردهم . فاتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنظر إليه وهو يؤم أصحابه
ثم رجع المشركون نحو عسكرهم وتآمروا في المدينة وفي طلبنا ، فالقوم على ما هم
عليه من الاختلاف . وطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه - ص 239 - فكأنهم لم يصبهم شيء حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
سالما .
حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل
العبدري ، عن أبيه قال حمل مصعب اللواء فلما جال المسلمون ثبت به فأقبل ابن
قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها ، وهو يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنى عليه فقطع يده اليسرى ، فحنى
على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية .
ثم حمل عليه الثالثة فأنفذه واندق
الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء وابتدره رجلان من بني عبد الدار سويبط بن حرملة
وأبو الروم ، وأخذه أبو الروم فلم يزل في يده حتى دخل به المدينة حين انصرف
المسلمون .
وحدثني موسى بن يعقوب عن عمته عن
أمها ، عن المقداد ، قال لما تصاففنا للقتال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
تحت راية مصعب بن عمير ، فلما قتل أصحاب اللواء وهزم المشركون الهزيمة الأولى ،
وأغار المسلمون على عسكرهم فانتهبوا ، ثم كروا على المسلمين فأتوا من خلفهم
فتفرق الناس ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحاب الألوية فأخذ اللواء
مصعب بن عمير ثم قتل .
وأخذ راية الخزرج سعد بن عبادة ،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم تحتها ، وأصحابه محدقون به . ودفع لواء
المهاجرين إلى أبي الروم العبدري آخر النهار ونظرت إلى لواء الأوس مع أسيد بن
حضير ، فناوشوهم ساعة واقتتلوا على الاختلاط من الصفوف .
ونادى المشركون بشعارهم يا للعزى ،
يا آل هبل فأوجعوا والله فينا قتلا - ص 240 - ذريعا ، ونالوا من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما نالوا . لا والذي بعثه بالحق إن رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم زال شبرا واحدا ، إنه لفي وجه العدو وتثوب إليه طائفة من أصحابه مرة وتتفرق
عنه مرة فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا .
وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما هو في عصابة صبروا معه أربعة عشر رجلا ، سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار
: أبو بكر ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعلي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة
بن عبيد الله ، وأبو عبيدة بن الجراح ، والزبير بن العوام ، ومن الأنصار :
الحباب بن المنذر ، وأبو دجانة ، وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة ، وسهل بن حنيف
، وأسيد بن حضير ، وسعد بن معاذ . ويقال ثبت سعد بن عبادة ، ومحمد بن مسلمة ،
فيجعلونهما مكان أسيد بن حضير وسعد بن معاذ .
وبايعه يومئذ ثمانية على الموت -
ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الأنصار : علي ، والزبير ، وطلحة عليهم السلام وأبو
دجانة ، والحارث بن الصمة ، وحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت وسهل بن حنيف ، فلم
يقتل منهم أحد . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم حتى انتهى من
انتهى منهم إلى قريب من المهراس .
المغازي للواقدي-الجزء الأول
وحدثني عتبة بن جبيرة عن يعقوب بن
عمرو بن قتادة ، قال ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلهم يقول وجهي دون وجهك ،
ونفسي دون نفسك ، وعليك السلام غير مودع .
وقالوا : إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما لحمه القتال وخلص إليه - ص 241 - وذب عنه مصعب بن عمير وأبو دجانة
حتى كثرت به الجراحة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رجل يشري نفسه ؟
فوثب فئة من الأنصار خمسة منهم عمارة بن زياد بن السكن ، فقاتل حتى أثبت وفاءت
فئة من المسلمين فقاتلوا حتى أجهضوا أعداء الله . فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لعمارة بن زياد ادن مني إلي إلي حتى وسده رسول الله صلى الله عليه وسلم
قدمه - وبه أربعة عشر جرحا - حتى مات وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ
يذمر الناس ويحضهم على القتال وكان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرمي
منهم حبان بن العرقة وأبو أسامة الجشمي ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول
لسعد بن أبي وقاص : ارم فداك أبي وأمي ورمى حبان بن العرقة بسهم فأصاب ذيل أم أيمن - وجاءت يومئذ
تسقي الجرحى - فعقلها وانكشف عنها ، فاستغرب في
الضحك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما
لا نصل له فقال ارم فوقع السهم في ثغرة نحر حبان فوقع مستلقيا وبدت عورته . قال
سعد : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك يومئذ حتى بدت نواجذه . ثم قال
استقاد لها سعد ، أجاب الله دعوتك وسدد رميتك
ورمى يومئذ مالك بن زهير الجشمي أخو
أبي أسامة الجشمي وكان هو وحبان بن العرقة قد أسرعا في أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأكثرا فيهم القتل بالنبل يتستران بالصخر ويرميان المسلمين . فبينا هم
على ذلك أبصر سعد بن أبي وقاص مالك بن زهير - ص 242 - وراء صخرة قد رمى وأطلع
رأسه فيرميه سعد فأصاب السهم عينه حتى خرج من قفاه فنزا في السماء قامة ثم رجع
فسقط فقتله الله عز وجل .
ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يومئذ عن قوسه حتى صارت شظايا ، فأخذها قتادة بن النعمان وكانت عنده .
وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان
حتى وقعت على وجنته . قال قتادة بن النعمان : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت : إي رسول الله إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني وأنا أخشى أن تقذر
مكان عيني . فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها فأبصرت وعادت كما كانت
فلم تضرب عليه ساعة من ليل ولا نهار وكان يقول بعد أن أسن هي والله أقوى عيني
وكانت أحسنهما
وباشر رسول الله صلى الله عليه وسلم
القتال فرمى بالنبل حتى فنيت نبله وتكسرت سية قوسه وقبل ذلك انقطع وتره وبقيت في
يده قطعة تكون شبرا في سية القوس وأخذ القوس عكاشة بن محصن يوتره له فقال يا
رسول الله لا يبلغ الوتر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مده يبلغ قال عكاشة : فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ وطويت منه ليتين أو
ثلاثة على سية القوس ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسه فما زال يرمي
القوم وأبو طلحة أمامهم يستره مترسا عنه حتى نظرت إلى قوسه قد تحطمت فأخذها
قتادة بن النعمان .
وكان - ص
243 - أبو طلحة يوم أحد قد نثر كنانته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وكان
راميا وكان صيتا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي طلحة في الجيش خير
من أربعين رجلا وكان في كنانته خمسون سهما ، فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم جعل يصيح يا رسول الله نفسي دون نفسك فلم يزل يرمي بها سهما سهما ،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع رأسه خلف أبي طلحة بين رأسه ومنكبه ينظر
إلى مواقع النبل حتى فنيت نبله وهو يقول نحري دون نحرك ، جعلني الله فداك فإن
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ العود من الأرض فيقول ارم يا أبا طلحة
فيرمي بها سهما جيدا
وكان الرماة من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم المذكور منهم سعد بن أبي وقاص ، والسائب بن عثمان بن مظعون ،
والمقداد بن عمرو ، وزيد بن حارثة ، وحاطب بن أبي بلتعة ، وعتبة بن غزوان ،
وخراش بن الصمة ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وبشر بن البراء بن معرور ، وأبو
نائلة سلكان بن سلامة وأبو طلحة وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، وقتادة بن
النعمان . ورمي يومئذ أبو رهم الغفاري بسهم فوقع في نحره فجاء إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ وكان أبو رهم يسمى المنحور
وكان أربعة من قريش قد تعاهدوا
وتعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفهم المشركون بذلك - عبد الله
بن شهاب ، وعتبة بن أبي وقاص ، - ص 244 - وابن قميئة وأبي بن خلف .
ورمى عتبة يومئذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأربعة أحجار وكسر رباعيته - أشظى
باطنها ، اليمنى السفلى - وشج في وجنتيه [ حتى غاب حلق المغفر في وجنته ] وأصيبت
ركبتاه فجحشتا . وكانت حفر حفرها أبو عامر الفاسق كالخنادق للمسلمين وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم واقفا على بعضها ولا يشعر به .
والثبت عندنا أن الذي رمى وجنتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن قميئة والذي رمى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن
أبي وقاص . وأقبل ابن قميئة وهو يقول دلوني على محمد ، فوالذي يحلف به لئن رأيته لأقتلنه فعلاه بالسيف ورماه
عتبة بن أبي وقاص مع تجليل السيف وكان عليه صلى الله عليه وسلم درعان فوقع رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الحفرة التي أمامه فجحشت ركبتاه ولم يصنع سيف ابن قميئة
شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف فقد وقع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وانتهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة يحمله من ورائه وعلي آخذ بيديه حتى
استوى قائما .
حدثني الضحاك بن عثمان ، عن ضمرة بن
سعيد عن أبي بشير المازني قال حضرت يوم أحد وأنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع على
ركبتيه في حفرة أمامه حتى توارى ، فجعلت أصيح - وأنا غلام - حتى رأيت الناس - ص 245 - ثابوا إليه . قال فأنظر إلى طلحة بن عبيد الله آخذا
بحضنه حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويقال إن الذي شج رسول الله صلى
الله عليه وسلم في جبهته ابن شهاب ، والذي أشظى رباعيته وأدمى شفتيه عتبة بن أبي
وقاص ، والذي رمى وجنتيه حتى غاب الحلق في وجنتيه ابن قميئة وسال الدم في شجته
التي في جبهته حتى أخضل الدم لحيته صلى الله عليه وسلم .
وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم
عن وجهه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو
يدعوهم إلى الله ؟ فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم الآية .
وقال سعد بن أبي وقاص : سمعته يقول
اشتد غضب الله على قوم أدموا فا رسول الله اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسول
الله اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله قال سعد : فقد شفاني من عتبة أخي
دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد حرصت على قتله حرصا ما حرصته على شيء قط
، وإن كان ما علمته لعاقا بالوالد سيئ الخلق . ولقد تخرقت صفوف المشركين مرتين
أطلب أخي لأقتله ولكن راغ مني روغان الثعلب فلما كان الثالثة قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا عبد الله ما تريد ؟ تريد أن تقتل نفسك ؟ فكففت ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم لا يحولن الحول على أحد منهم قال والله ما
حال الحول على أحد ممن رماه أو جرحه مات عتبة وأما ابن قميئة فإنه اختلف فيه .
فقائل يقول قتل في المعرك وقائل يقول إنه رمى يوم أحد - ص 246 - بسهم . فأصاب مصعب بن عمير فقال خذها وأنا ابن قميئة فقتل
مصعبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقمأه الله فعمد إلى شاة يحتلبها
فنطحته بقرنها وهو معتقلها فقتلته فوجد ميتا بين الجبال لدعوة رسول الله صلى
الله عليه وسلم
وكان عدو الله قد رجع إلى أصحابه
فأخبرهم أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رجل من بني الأدرم من بني فهر
. ويقبل عبد الله بن حميد بن زهير حين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك
الحال يركض فرسه مقنعا في الحديد يقول أنا ابن زهير دلوني على محمد ، فوالله لأقتلنه أو لأموتن دونه فتعرض له أبو دجانة
فقال هلم إلى من يقي نفس محمد بنفسه فضرب فرسه فعرقبها فاكتسعت الفرس ، ثم علاه
بالسيف وهو يقول خذها وأنا ابن خرشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه
يقول اللهم ارض عن ابن خرشة كما أنا عنه راض
حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن
عيسى بن طلحة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت سمعت أ با بكر رضي الله عنه يقول
لما كان يوم أحد ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه حتى دخلت في وجنتيه
حلقتان من المغفر فأقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل
من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله - ص 247 - طلحة بن عبيد الله حتى توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإذا أبو عبيدة بن الجراح ، فبدرني فقال أسألك بالله يا أ با بكر ألا
تركتني ، فأنزعه من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أ بو بكر فتركته .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم صواحبكم يعني طلحة بن عبيد الله فأخذ أ
بو عبيدة بثنيته حلقة المغفر فنزعها ، وسقط على ظهره وسقطت ثنية أ بي عبيدة ، ثم
أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى ، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم .
ويقال إن الذي نزع الحلقتين من وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن وهب بن كلدة ويقال أبو اليسر - وأثبت ذلك
عندنا عقبة بن وهب بن كلدة .
وكان أبو سعيد الخدري يحدث أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أصيب وجهه يوم أحد فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنتيه
فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن ، فجعل مالك بن سنان يملج الدم بفيه ثم
ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي
فلينظر إلى مالك بن سنان . فقيل لمالك : تشرب الدم ؟ فقال نعم أشرب دم رسول الله
صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس دمه دمي ، لم تصبه النار
قال أبو سعيد : فكنا ممن رد من
الشيخين لم نجز مع المقاتلة فلما كان من - ص 248 - النهار
وبلغنا مصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس عنه جئت مع غلمان من بني
خدرة نعترض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وننظر إلى سلامته فنرجع بذلك إلى أهلنا
، فلقينا الناس منصرفين ببطن قناة ، فلم يكن لنا همة إلا النبي صلى الله عليه
وسلم ننظر إليه . فلما نظر إلي قال سعد بن مالك ؟ قلت : نعم بأبي وأمي فدنوت منه
فقبلت ركبته وهو على فرسه ثم قال آجرك الله في أبيك ثم نظرت إلى وجهه فإذا في
وجنتيه موضع الدرهم في كل وجنة وإذا شجة في جبهته عند أصول الشعر وإذا شفته
السفلى تدمى ، وإذا رباعيته اليمنى شظية فإذا على جرحه شيء أسود . فسألت : ما
هذا على وجهه ؟ فقالوا : حصير محرق . وسألت : من دمى وجنتيه
؟ فقيل ابن قميئة . فقلت : من شجه في جبهته ؟ فقيل ابن شهاب . فقلت : من أصاب
شفته ؟ فقيل عتبة .
فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه
فما نزل إلا حملا ، وأرى ركبتيه مجحوشتين يتكئ على السعدين - سعد بن عبادة وسعد
بن معاذ - حتى دخل بيته . فلما غربت الشمس وأذن بلال بالصلاة خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين ثم انصرف إلى بيته والناس
في المسجد يوقدون النيران يكمدون بها الجراح . ثم أذن بلال بالعشاء حين غاب
الشفق فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس بلال عند بابه حتى ذهب ثلث
الليل ثم ناداه الصلاة يا رسول الله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان نائما
. قال فرمقته فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل بيته فصليت معه العشاء ثم رجع
إلى بيته وقد صف - ص 249 - له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل
ورجعت إلى أهلي فخبرتهم بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدوا الله على
ذلك وناموا ، وكانت وجوه الخزرج والأوس في المسجد على باب النبي صلى الله عليه
وسلم يحرسونه فرقا من قريش أن تكر .
قالوا : وخرجت
فاطمة في نساء وقد رأت الذي بوجهه صلى الله عليه وسلم فاعتنقته وجعلت تمسح الدم
عن وجهه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه
رسوله وذهب علي عليه السلام يأتي بماء من المهراس ، وقال لفاطمة : أمسكي هذا
السيف غير ذميم . فأتى بماء في مجنه فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب
منه - وكان قد عطش - فلم يستطع ووجد ريحا من الماء كرهها فقال هذا ماء آجن .
فمضمض منه فاه للدم في فيه وغسلت فاطمة الدم عن أبيها .
ولما أبصر النبي صلى الله عليه وسلم
سيف علي عليه السلام مختضبا قال إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت ،
والحارث بن الصمة ، وسهل بن حنيف ، وسيف أبي دجانة غير مذموم فلم يطق أن يشرب
منه فخرج محمد بن مسلمة يطلب مع النساء ماء وكن قد جئن أربع عشرة امرأة منهن
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ويسقين
الجرحى ويداوينهم .
قال كعب بن مالك : رأيت أم سليم بنت
ملحان وعائشة على ظهورهما القرب يحملانها يوم أحد ، وكانت حمنة بنت جحش تسقي
العطشى - ص 250 - وتداوي الجرحى ، وكانت أم أيمن تسقي الجرحى . فلما لم يجد محمد
بن مسلمة عندهم ماء - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عطش يومئذ عطشا
شديدا - ذهب محمد إلى قناة وأخذ سقاءه حتى استقى من حسي - قناة عند قصور
التيميين اليوم - فأتى بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لمحمد
بن مسلمة بخير .
وجعل الدم لا ينقطع وجعل النبي صلى
الله عليه وسلم يقول لن ينالوا منا مثلها حتى تستلموا الركن
فلما رأت فاطمة الدم لا يرقأ - وهي
تغسل الدم وعلي عليه السلام يصب الماء عليها بالمجن - أخذت قطعة حصير فأحرقته
حتى صار رمادا ، ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم . ويقال إنها داوته بصوفة محترقة .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد يداوي الجرح الذي في وجهه بعظم بال حتى يذهب أثره ولقد مكث رسول الله صلى
الله عليه وسلم يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهرا أو أكثر من شهر ويداوي
الأثر الذي بوجهه بعظم بال
حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري ،
عن سعيد بن المسيب قال لما كان يوم أحد أقبل أبي بن خلف يركض فرسه حتى إذا دنا
من النبي صلى الله عليه وسلم اعترض له ناس من أصحابه ليقتلوه فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم استأخروا عنه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحربته في يده
فرماه ما بين سابغة البيضة والدرع فطعنه هناك فوقع أبي عن فرسه فكسر ضلع من
أضلاعه واحتملوه ثقيلا حتى ولوا قافلين فمات بالطريق ونزلت فيه وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
- ص
251 - فحدثني يونس بن محمد الظفري ، عن عاصم بن عمر ، عن عبد الله بن كعب بن
مالك ، عن أبيه قال كان أبي بن خلف قدم في فداء ابنه وكان أسر يوم بدر ، فقال يا
محمد ، إن عندي فرسا لي أجلها فرقا من ذرة كل يوم أقتلك عليها . فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله ويقال قال ذلك بمكة فبلغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته بالمدينة فقال أنا أقتله عليها إن شاء الله
قالوا : وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم في القتال لا يلتفت وراءه فكان يقول لأصحابه إني أخشى أن يأتي أبي بن
خلف من خلفي ، فإذا رأيتموه فآذنوني به
فإذا بأبي يركض على فرسه وقد رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه فجعل يصيح بأعلى صوته يا محمد لا نجوت إن
نجوت فقال القوم يا رسول الله ما كنت صانعا حين يغشاك فقد جاءك ، وإن شئت عطف
عليه بعضنا . فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا أبي فتناول رسول الله صلى
الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة ، ثم انتفض بأصحابه كما ينتفض البعير
فتطايرنا عنه تطاير الشعارير ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
جد الجد .
ثم أخذ الحربة فطعنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالحربة في عنقه وهو على فرسه فجعل يخور كما يخور الثور . ويقول
له أصحابه أبا عامر والله ما بك بأس ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره . -
ص 252 -
قال واللاتي والعزى ، لو كان الذي
بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون أليس قال " لأقتلنك " ؟ فاحتملوه
وشغلهم ذلك عن طلب النبي صلى الله عليه وسلم ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعظم أصحابه في الشعب .
ويقال تناول الحربة من الزبير بن
العوام . وكان ابن عمر يقول مات أبي بن خلف ببطن رابغ ، فإني لأسير ببطن رابغ
بعد هوي من الليل إذا نار تأجج فهبتها ، وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها
يصيح العطش وإذا رجل يقول لا تسقه فإن هذا قتيل رسول الله هذا أبي بن خلف . فقلت
: ألا سحقا ويقال مات بسرف .
ويقال لما تناول الحربة من الزبير
حمل أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه فاستقبله مصعب بن عمير يحول
بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب مصعب بن عمير وجهه وأبصر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرجة بين سابغة البيضة والدرع فطعنه هناك فوقع وهو يخور .
قال وأقبل عثمان بن عبد الله بن
المغيرة المخزومي يحضر فرسا له أبلق يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه
لأمة له كاملة ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجه إلى الشعب . وهو يصيح لا نجوت
إن نجوت فيقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعثر به فرسه في بعض تلك الحفر التي
كانت حفر أبو عامر فيقع الفرس لوجهه وخرج الفرس عائرا فيأخذه أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيعقرونه - ص 253 - ويمشي إليه الحارث بن الصمة فتضاربا ساعة
بسيفين ثم يضرب الحارث رجله - وكانت الدرع مشمرة - فبرك وذفف عليه .
وأخذ الحارث يومئذ درعا جيدة ومغفرا
وسيفا جيدا ، ولم يسمع بأحد سلب يومئذ غيره . ورسول الله صلى الله عليه وسلم
ينظر إلى قتالهما وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل فإذا عثمان بن عبد
الله بن المغيرة ، فقال الحمد لله الذي أحانه .
وكان عبد الله بن جحش أسره ببطن
نخلة حتى قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فافتدى فرجع إلى قريش حتى غزا
أحدا فقتل به . ويرى مصرعه عبيد بن حاجز العامري - عامر بن لؤي - فأقبل يعدو
كأنه سبع فيضرب الحارث بن الصمة ضربة جرحه على عاتقه فوقع الحارث جريحا حتى
احتمله أصحابه . ويقبل أبو دجانة على عبيد فتناوشا ساعة من نهار وكل واحد منهما
يتقي بالدرقة ضرب السيف ثم حمل عليه أبو دجانة فاحتضنه ثم جلد به الأرض ثم ذبحه
بالسيف كما تذبح الشاة ثم انصرف فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقالوا : إن سهل بن حنيف جعل ينضح
بالنبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
نبلوا سهلا فإنه سهل ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي الدرداء ،
والناس منهزمون كل وجه فقال نعم الفارس عويمر [ قال الواقدي : ] غير أنه يقال لم
يشهد أحدا .
قال الواقدي : وحدثني ابن أبي سبرة
عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله بن كعب بن مالك ، قال
حدثني من نظر إلى أبي أسيرة بن الحارث بن علقمة ولقي أحد بني عوف فاختلفا - ص
254 - ضربات كل ذلك يروغ أحدهما عن صاحبه .
قال فنظر إليهما كأنهما سبعان
ضاريان يقفان مرة ويقتتلان مرة ثم تعانقا فضبط أحدهما صاحبه فوقعا للأرض فعلاه
أبو أسيرة فذبحه بسيفه كما تذبح الشاة ونهض عنه .
ويقبل خالد بن الوليد ، وهو على فرس
أدهم أغر محجل يجر قناة طويلة فطعنه من خلفه فنظرت إلى سنان الرمح خرج من صدره
ووقع أبو أسيرة ميتا ، وانصرف خالد بن الوليد يقول أنا أبو سليمان قالوا : وقاتل
طلحة بن عبيد الله يومئذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا ، فكان طلحة
يقول لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انهزم أصحابه وكر المشركون
وأحدقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم من كل ناحية فما أدري أقوم من بين يديه أو من
ورائه أو عن يمينه أو عن شماله فأذب بالسيف من بين يديه مرة وأخرى من ورائه حتى
انكشفوا . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول لطلحة : قد أنحب
وقال سعد بن أبي وقاص وذكر طلحة
فقال يرحمه الله إنه كان أعظمنا غناء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد
قيل كيف يا أبا إسحاق ؟ قال لزم النبي صلى الله عليه وسلم وكنا نتفرق عنه ثم
نثوب إليه لقد رأيته يدور حول النبي صلى الله عليه وسلم يترس بنفسه .
وسئل طلحة : يا أبا محمد ما أصاب
إصبعك ؟ قال رمى مالك بن زهير الجشمي بسهم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان لا تخطئ رميته فاتقيت بيدي عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب
خنصري ، فشك فشل إصبعه . وقال حين رماه - ص 255 - حس فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لو قال بسم الله لدخل الجنة والناس ينظرون من أحب أن ينظر إلى رجل
يمشي في الدنيا وهو من أهل الجنة فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ، طلحة ممن قضى نحبه
وقال طلحة : لما جال المسلمون تلك
الجولة ثم تراجعوا ، أقبل رجل من بني عامر بن لؤي بن مالك بن المضرب يجر رمحا له
على فرس كميت أغر مدججا في الحديد يصيح أنا أبو ذات الودع دلوني على محمد فأضرب عرقوب فرسه فانكسعت ثم أتناول رمحه فوالله ما
أخطأت به عن حدقته فخار كما يخور الثور فما برحت به واضعا رجلي على خده حتى
أزرته شعوب .
وكان طلحة قد أصابته في رأسه
المصلبة ضربه رجل من المشركين ضربتين ضربة وهو مقبل والأخرى وهو معرض عنه وكان
قد نزف منها الدم .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه
جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال عليك بابن عمك فأتى طلحة بن عبيد
الله وقد نزف الدم فجعلت أنضح في وجهه الماء وهو مغشي عليه ثم أفاق فقال ما فعل
رسول الله ؟ فقلت : خيرا ، هو أرسلني إليك . قال الحمد لله كل مصيبة بعده جلل
وكان ضرار بن الخطاب الفهري يقول
نظرت إلى طلحة بن عبيد الله ، قد حلق رأسه عند المروة في عمرة فنظرت إلى المصلبة
في رأسه . فقال ضرار : أنا والله ضربته هذه استقبلني فضربته ثم أكر عليه وقد
أعرض فأضربه أخرى .
وقالوا : لما كان يوم الجمل وقتل
علي عليه السلام من قتل من الناس - ص 256 - ودخل البصرة ، جاءه رجل من العرب
فتكلم بين يديه ونال من طلحة فزبره علي وقال إنك لم تشهد يوم أحد وعظم غنائه في
الإسلام مع مكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانكسر
الرجل وسكت فقال رجل من القوم : وما كان غناؤه وبلاؤه يوم أحد يرحمه الله ؟ فقال علي : نعم
يرحمه الله فلقد رأيته وإنه ليترس بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن
السيوف لتغشاه والنبل من كل ناحية وإن هو إلا جنة بنفسه لرسول الله صلى الله
عليه وسلم . فقال قائل إن كان يوما قد قتل فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصاب رسول الله فيه الجراحة . فقال علي عليه السلام أشهد لسمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ليت أني غودرت مع أصحاب نحص الجبل
قال ابن أبي الزناد نحص الجبل أسفله
. ثم قال علي عليه السلام لقد رأيتني يومئذ وإني لأذبهم في ناحية وإن أبا دجانة
لفي ناحية يذب طائفة منهم وإن سعد بن أبي وقاص يذب طائفة منهم حتى فرج الله ذلك
كله . ولقد رأيتني وانفردت منهم يومئذ فرقة خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل ، فدخلت
وسطها بالسيف فضربت به واشتملوا علي حتى أفضيت إلى آخرهم ثم كررت فيهم الثانية
حتى رجعت من حيث جئت ، ولكن الأجل استأخر ويقضي الله أمرا كان مفعولا .
قال الواقدي : وحدثني جابر بن سليم عن عثمان بن صفوان عن عمارة بن خزيمة ،
قال حدثني من نظر إلى الحباب بن المنذر بن الجموح وإنه ليحوشهم يومئذ كما تحاش
الغنم ولقد اشتملوا عليه حتى قيل قد - ص 257 - قتل . ثم برز والسيف في يده
وافترقوا عنه وجعل يحمل على فرقة منهم وإنهم ليهربون منه إلى جمع منهم وصار
الحباب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحباب يومئذ معلما بعصابة خضراء في
مغفره .
وطلع يومئذ عبد الرحمن بن أبي بكر
على فرس مدججا لا يرى منه إلا عيناه فقال من يبارز ؟ أنا عبد الرحمن بن عتيق .
قال فنهض إليه أبو بكر فقال يا رسول الله أبارزه . وقد جرد أبو بكر سيفه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم شم سيفك ، وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما وجدت لشماس بن عثمان شبها إلا الجنة - يعني مما يقاتل عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يومئذ
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يرمي يمينا ولا شمالا إلا رأى شماسا في ذلك الوجه يذب بسيفه حتى غشي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فترس بنفسه دونه حتى قتل فذلك قول النبي صلى الله عليه
وسلم ما وجدت لشماس شبها إلا الجنة
وكان أول من أقبل من المسلمين بعد
التولية قيس بن محرث مع طائفة من الأنصار ، وقد بلغوا بني حارثة فرجعوا سراعا ،
فصادفوا المشركين في كرتهم فدخلوا في حومتهم وما أفلت منهم رجل حتى قتلوا .
ولقد ضاربهم قيس بن محرث وامتنع
بسيفه حتى قتل منهم نفرا ، فما قتلوه إلا بالرماح نظموه ولقد وجد به أربع عشرة
طعنة قد جافته - ص 258 - وعشر ضربات في بدنه .
وكان عباس بن عبادة بن نضلة ،
وخارجة بن زيد بن أبي زهير وأوس بن أرقم بن زيد وعباس رافع صوته يقول يا معشر
المسلمين الله ونبيكم هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم فيوعدكم النصر فما صبرتم ثم
نزع مغفره عن رأسه وخلع درعه فقال لخارجة بن زيد هل لك في درعي ومغفري ؟ قال
خارجة لا ، أنا أريد الذي تريد . فخالطوا القوم جميعا ، وعباس يقول
ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول الله ومنا عين تطرف ؟ يقول خارجة لا عذر لنا عند
ربنا ولا حجة . فأما عباس فقتله سفيان بن عبد شمس السلمي ، ولقد ضربه عباس
ضربتين فجرحه جرحين عظيمين فارتث يومئذ جريحا فمكث جريحا سنة ثم استبل . وأخذت
خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا ، فمر به صفوان بن أمية فعرفه فقال هذا
من أكابر أصحاب محمد وبه رمق فأجهز عليه . وقتل أوس بن أرقم .
وقال صفوان بن أمية : من رأى خبيب بن يساف ؟ وهو يطلبه ولا يقدر عليه . ومثل يومئذ
بخارجة وقال هذا ممن أغرى بأبي يوم بدر - يعني أمية بن خلف - الآن شفيت نفسي حين
قتلت الأماثل من أصحاب محمد ، قتلت ابن قوقل وقتلت ابن أبي زهير وقتلت أوس بن
أرقم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم أحد : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ قالوا : وما حقه ؟ قال يضرب به العدو . فقال عمر : أنا . فأعرض
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
الشرط فقام الزبير فقال أنا . فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وجد
عمر والزبير في أنفسهما . ثم عرضه الثالثة فقال أبو دجانة أنا يا رسول الله آخذه
بحقه . فدفعه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدق به حين لقي العدو وأعطى
السيف حقه - ص 259 - فقال أحد الرجلين - إما عمر وإما الزبير والله لأجعلن هذا
الرجل من شأني ، الذي أعطاه النبي السيف ومنعنيه . قال فاتبعته . قال فوالله ما
رأيت أحدا قاتل أفضل من قتاله لقد رأيته يضرب به حتى إذا كل عليه وخاف ألا يحيك
عمد به إلى الحجارة فشحذه ثم يضرب به في العدو حتى رده كأنه منجل . وكان حين
أعطاه السيف مشى بين الصفين واختال في مشيته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين رآه يمشي تلك المشية إن هذه لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن
وكان أربعة من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم يعلمون في الزحوف أحدهم أبو دجانة ، كان يعصب رأسه بعصابة حمراء ،
وكان قومه يعلمون أنه إذا اعتصب بها أحسن القتال وكان علي عليه السلام يعلم
بصوفة بيضاء وكان الزبير يعلم بعصابة صفراء وكان حمزة يعلم بريش نعامة .
قال أبو دجانة : إني لأنظر يومئذ
إلى امرأة تقذف الناس وتحوشهم حوشا منكرا ، فرفعت عليها السيف وما أحسبها إلا رجلا
. قال وأكره أن أضرب بسيف رسول الله امرأة والمرأة عمرة بنت الحارث . - ص 260 -
وكان كعب بن مالك يقول أصابني
الجراح يوم أحد ، فلما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين أشد المثل وأقبحه قمت
فتجاوزت عن القتلى حتى تنحيت ، فإني لفي موضعي ، إذ أقبل خالد بن الأعلم العقيلي
جامع اللأمة يحوز المسلمين يقول استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم مدججا في الحديد
يصيح يا معشر قريش ، لا تقتلوا محمدا ، ائسروه أسيرا حتى نعرفه بما صنع . ويصمد
له قزمان ، فيضربه بالسيف ضربة على عاتقه رأيت منها سحره ثم أخذ سيفه وانصرف .
وطلع عليه آخر من المشركين ما أرى منه إلا عينيه فضربه ضربة واحدة حتى جزله
باثنين . قال قلنا من هو ؟ قال الوليد بن العاص بن هشام . ثم يقول كعب إني لأنظر
يومئذ وأقول ما رأيت مثل هذا الرجل أشجع بالسيف ثم ختم له بما ختم له به . فيقول
ما هو وما ختم له به ؟ فقال من أهل النار قتل نفسه يومئذ .
قال كعب وإذا رجل من المشركين جامع
اللأمة يصيح استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم . وإذا رجل من المسلمين عليه لأمته
فمشيت حتى كنت من ورائه ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري ، فإذا الكافر أكثرهما
عدة وأهبة فلم أزل أنظرهما حتى التقيا ، فضرب المسلم الكافر - ص 261 - على حبل
عاتقه بالسيف فمضى [ السيف ] حتى بلغ وركيه وتفرق المشرك فرقتين . وكشف المسلم
عن وجهه فقال كيف ترى يا كعب ؟ أنا أبو دجانة .
قال وكان رشيد الفارسي مولى بني
معاوية لقي رجلا من المشركين من بني كنانة مقنعا في الحديد يقول أنا ابن عويم
فيعترض له سعد مولى حاطب فضربه ضربة جزله باثنين [ ويقبل عليه رشيد فيضربه على
عاتقه فقطع الدرع حتى جزله باثنين ] ، وهو يقول خذها وأنا الغلام الفارسي ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يرى ذلك ويسمعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا
قلت خذها وأنا الغلام الأنصاري ؟ فيعترض له أخوه وأقبل يعدو كأنه كلب ، يقول أنا
ابن عويم ويضربه رشيد على رأسه وعليه المغفر ففلق رأسه يقول خذها وأنا الغلام
الأنصاري فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت يا أبا عبد الله فكناه
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ولا ولد له
وقال أبو النمر الكناني : أقبلت يوم
أحد فقد انكشف المسلمون وأنا مع المشركين وقد حضرت في عشرة من إخوتي ، فقتل منهم
أربعة . وكانت الريح للمسلمين أول ما
التقينا ، فلقد رأيتني وانكشفنا مولين وأقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على
نهب العسكر حتى بلغت على قدمي الجماء ، ثم كرت خيلنا فقلنا : والله ما كرت الخيل
إلا عن أمر رأته . فكررنا على أقدامنا كأننا الخيل حتى نجد القوم قد أخذ بعضهم
بعضا ، يقاتلون على غير صفوف ما يدري بعضهم من يضرب وما للمسلمين لواء قائم ومع
رجل من بني عبد الدار لواؤنا .
وأسمع شعار أصحاب محمد بينهم أمت أمت فأقول في نفسي : ما " أمت " ؟ وإني لأنظر إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه محدقون به وإن النبل لتمر عن يمينه وعن
شماله وتقصر بين يديه وتخرج من ورائه ولقد رميت يومئذ بخمسين مرماة فأصبت منها
بأسهم بعض أصحابه . ثم هداني الله إلى الإسلام - ص 262 -
فكان عمرو بن ثابت بن وقش شاكا في
الإسلام فكان قومه يكلمونه في الإسلام فيقول لو أعلم ما تقولون حقا ما تأخرت عنه
حتى إذا كان يوم أحد بدا له الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فأسلم
وأخذ سيفه فخرج حتى دخل في القوم فقاتل حتى أثبت فوجد في القتلى جريحا ميتا ،
فدنوا منه وهو بآخر رمق فقالوا : ما جاء بك يا عمرو ؟ قال الإسلام آمنت بالله
وبرسوله ثم أخذت سيفي وحضرت ، فرزقني الله الشهادة . ومات
في أيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لمن أهل الجنة
قالوا : قال الواقدي : فحدثني خارجة
بن عبد الله بن سليمان عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال
سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول والناس حوله أخبروني برجل يدخل الجنة لم يصل
لله سجدة قط فيسكت الناس فيقول أبو هريرة : هو أخو بني عبد الأشهل ، عمرو بن
ثابت بن وقش .
قالوا : وكان مخيريق اليهودي من
أحبار اليهود ، فقال يوم السبت - ص 263 - ورسول
الله صلى الله عليه وسلم بأحد : يا معشر اليهود ، والله إنكم لتعلمون أن محمدا
نبي ، وأن نصره عليكم لحق . قال إن اليوم يوم السبت . قال لا سبت ثم أخذ سلاحه
ثم حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابه القتل فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم مخيريق خير يهود
وقد كان مخيريق حين خرج إلى أحد قال
إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله فهي عامة صدقات النبي صلى الله عليه
وسلم .
وكان حاطب بن أمية منافقا ، وكان
ابنه يزيد بن حاطب رجل صدق شهد أحدا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتث جريحا ،
فرجع به قومه إلى منزله فقال أبوه وهو يرى أهل الدار يبكون عنده أنتم والله
صنعتم هذا به قالوا : كيف ؟ قال غررتموه من نفسه حتى خرج فقتل ثم صار منكم في
شيء آخر تعدونه جنة يدخل فيها ، جنة من حرمل قالوا : قاتلك الله قال هو ذاك ولم
يقر بالإسلام .
قالوا : وكان قزمان عديدا في بني
ظفر لا يدرى ممن هو وكان لهم حائطا محبا ، وكان مقلا لا ولد له ولا زوجة وكان شجاعا
يعرف بذلك في حروبهم تلك التي كانت تكون بينهم . فشهد أحدا فقاتل قتالا شديدا
فقتل ستة أو سبعة وأصابته الجراح فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم قزمان قد أصابته
الجراح فهو شهيد قال من أهل النار
فأتي إلى قزمان فقيل له هنيئا لك يا
أبا الغيداق الشهادة قال بم تبشرون ؟ والله ما قاتلنا إلا على الأحساب . قالوا :
بشرناك بالجنة . قال - ص 264 - جنة من حرمل والله ما قاتلنا على جنة ولا على نار
إنما قاتلنا على أحسابنا فأخرج سهما من كنانته فجعل يتوجأ به نفسه فلما أبطأ
عليه المشقص أخذ السيف فاتكأ عليه حتى خرج من ظهره . فذكر ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم فقال من أهل النار
وكان عمرو بن الجموح رجلا أعرج فلما
كان يوم أحد - وكان له بنون أربعة يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد
أمثال الأسد - أراد بنوه أن يحبسوه وقالوا : أنت رجل أعرج ولا حرج عليك ، وقد
ذهب بنوك مع النبي صلى الله عليه وسلم .
قال بخ يذهبون إلى الجنة وأجلس أنا
عندكم فقالت هند بنت عمرو بن حرام امرأته كأني أنظر إليه موليا ، قد أخذ درقته
يقول اللهم لا تردني إلى أهلي خزيا فخرج ولحقه بنوه يكلمونه في القعود فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا
الوجه والخروج معك ، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة . فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله تعالى ولا جهاد عليك . [ فأبى ] فقال النبي صلى الله عليه
وسلم لبنيه لا عليكم أن تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة . فخلوا عنه فقتل يومئذ
شهيدا
فقال أبو طلحة نظرت إلى عمرو بن
الجموح حين انكشف المسلمون - ص 265 - ثم ثابوا وهو في الرعيل الأول لكأني أنظر
إلى ضلعه في رجله يقول أنا والله مشتاق إلى الجنة ثم أنظر إلى ابنه يعدو في أثره
حتى قتلا جميعا .
وكانت عائشة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم خرجت في نسوة تستروح الخبر - ولم يضرب الحجاب يومئذ - حتى إذا كانت
بمنقطع الحرة وهي هابطة من بني حارثة إلى الوادي ، لقيت هند بنت عمرو بن حرام
أخت عبد الله بن عمرو بن حرام تسوق بعيرا لها ، عليه زوجها عمرو بن الجموح ،
وابنها خلاد بن عمرو ، وأخوها عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر .
فقالت عائشة عندك الخبر ، فما وراءك
؟ فقالت هند : خيرا ، أما رسول الله فصالح وكل مصيبة بعده جلل . واتخذ الله من
المؤمنين شهداء ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله
المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا
قالت من هؤلاء ؟ قالت أخي ، وابني
خلاد وزوجي عمرو بن الجموح . قالت فأين تذهبين بهم ؟ قالت إلى المدينة أقبرهم
فيها . .. حل تزجر بعيرها ، ثم برك بعيرها فقلت : لما عليه قالت ما ذاك به لربما
حمل ما يحمل البعيران ولكني أراه لغير ذلك . فزجرته فقام فلما وجهت به إلى
المدينة برك فوجهته راجعة إلى أحد فأسرع . فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرته بذلك - ص 266 - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن الجمل مأمور هل قال شيئا ؟ قالت إن عمرا لما وجه إلى أحد استقبل القبلة وقال
اللهم لا تردني إلى أهلي خزيا وارزقني الشهادة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلذلك الجمل لا يمضي إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره منهم
عمرو بن الجموح . يا هند ، ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى
الساعة ينظرون أين يدفن . ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبرهم ثم قال
يا هند ، قد ترافقوا في الجنة جميعا ، عمرو بن الجموح ، وابنك خلاد وأخوك عبد
الله . قالت هند : يا رسول الله ادع الله عسى أن يجعلني معهم
قال جابر بن عبد الله : اصطبح ناس
الخمر يوم أحد ، منهم أبي ، فقتلوا شهداء . قال
جابر كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين يوم أحد ، قتله سفيان بن عبد شمس أبو أبي
الأعور السلمي ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهزيمة .
قال جابر لما استشهد أبي جعلت عمتي
تبكي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيها ؟ ما زالت الملائكة تظل عليه
بأجنحتها حتى دفن
وقال عبد الله بن عمرو بن حرام :
رأيت في النوم قبل يوم أحد بأيام وكأني رأيت مبشر بن عبد المنذر يقول أنت قادم
علينا في أيام . فقلت : وأين أنت ؟ فقال في الجنة ، نسرح منها حيث نشاء . قلت له
ألم تقتل يوم بدر ؟ فقال بلى ، ثم أحييت . فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم قال هذه الشهادة يا أبا جابر
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم أحد : ادفنوا عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد ويقال
إنهما وجدا وقد مثل بهما كل - ص 267 - المثل قطعت آرابهما - يعني عضوا
عضوا - فلا تعرف أبدانهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ادفنوهما جميعا في
قبر واحد
ويقال إنما أمر بدفنهما في قبر واحد
لما كان بينهما من الصفاء فقال ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد
وكان عبد الله بن عمرو بن حرام رجلا
أحمر أصلع ليس بالطويل وكان عمرو بن الجموح طويلا ، فعرفا ودخل السيل عليهما -
وكان قبرهما مما يلي السيل - فحفر عنهما ، وعليهما نمرتان وعبد
الله قد أصابه جرح في وجهه فيده على وجهه فأميطت يده عن جرحه فثعب الدم فردت إلى
مكانها فسكن الدم . قال جابر فرأيت أبي في حفرته فكأنه نائم وما تغير من حاله
قليل ولا كثير . فقيل له أفرأيت أكفانه ؟ فقال إنما كفن في نمرة خمر بها وجهه
وعلى رجليه الحرمل فوجدنا النمرة كما هي والحرمل على رجليه على هيئته وبين ذلك
وبين وقت دفنه ستة وأربعون سنة . فشاورهم جابر في أن يطيب بمسك فأبى ذلك أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : لا تحدثوا فيهم شيئا .
ويقال إن معاوية لما أراد أن يجري
كظامة - والكظامة عين أحدثها معاوية - نادى مناديه بالمدينة : من كان له قتيل
بأحد فليشهد فخرج الناس إلى قتلاهم فوجدوهم طرايا يتثنون - ص 268 - فأصابت المسحاة رجلا منهم فثعب دما .
قال أبو سعيد الخدري : لا ينكر بعد
هذا منكر أبدا . ووجد عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح في قبر واحد ووجد خارجة
بن زيد بن أبي زهير وسعد بن الربيع في قبر واحد .
فأما قبر عبد الله وعمرو بن الجموح
فحول وذلك أن القناة كانت تمر على قبرهما ، وأما قبر خارجة وسعد بن الربيع فتركا
، وذلك لأن مكانهما كان معتزلا ، وسوي عليهما التراب . ولقد كانوا يحفرون التراب
فكلما حفروا فترا من تراب فاح عليهم المسك .
وقالوا : إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لجابر : يا جابر ألا أبشرك ؟ قال قلت : بلى بأبي وأمي قال فإن
الله أحيا أباك . ثم كلمه كلاما فقال تمن على ربك ما شئت . فقال أتمنى أن أرجع
فأقتل مع نبيك ، ثم أحيا فأقتل مع نبيك . قال إني قد قضيت أنهم لا يرجعون
قالوا : وكانت نسيبة بنت كعب أم
عمارة ، وهي امرأة غزية بن عمرو ، وشهدت أحدا هي وزوجها وابناها ; وخرجت معها شن
لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى ، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا ، فجرحت
اثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف .
فكانت أم سعد بنت سعد بن ربيع تقول
دخلت عليها فقلت لها : يا خالة حدثيني خبرك . فقالت خرجت أول النهار إلى أحد ،
وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم - ص 269 - وهو في أصحابه والدولة والربح للمسلمين .
فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالسيف وأرمي بالقوس حتى خلصت إلي الجراح . فرأيت
على عاتقها جرحا له غور أجوف فقلت : يا أم عمارة من أصابك بهذا ؟ قالت أقبل ابن
قميئة وقد ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح دلوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا فاعترض له مصعب بن عمير وأناس معه
فكنت فيهم فضربني هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه
درعان .
قلت : يدك
ما أصابها ؟ قالت أصيبت يوم اليمامة لما جعلت الأعراب ينهزمون بالناس نادت
الأنصار : " أخلصونا " ; فأخلصت الأنصار ، فكنت معهم حتى انتهينا إلى
حديقة الموت فاقتتلنا عليها ساعة حتى قتل أبو دجانة على باب الحديقة ودخلتها
وأنا أريد عدو الله مسيلمة فيعترض لي رجل منهم فضرب يدي فقطعها ، فوالله ما كانت
لي ناهية ولا عرجت عليها حتى وقفت على الخبيث مقتولا ، وابني عبد الله بن زيد
المازني يمسح سيفه بثيابه . فقلت : قتلته ؟ قال نعم . فسجدت شكرا لله .
وكان ضمرة بن سعيد يحدث عن جدته
وكانت قد شهدت أحدا تسقي الماء قالت - ص 270 - سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان وكان يراها تقاتل يومئذ
أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها ، حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا
فلما حضرتها الوفاة كنت فيمن غسلها
، فعددت جراحها جرحا جرحا فوجدتها ثلاثة عشر جرحا . وكانت تقول إني لأنظر إلى
ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها - وكان أعظم جراحها ، لقد داوته سنة -
ثم نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما
استطاعت من نزف الدم . ولقد مكثنا ليلنا نكمد الجراح حتى أصبحنا ، فلما رجع رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الحمراء ، ما وصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله
بن كعب المازني يسأل عنها ، فرجع إليه يخبره بسلامتها فسر النبي صلى الله عليه
وسلم بذلك .
حدثنا عبد الجبار بن عمارة عن عمارة
بن غزية قال قالت أم عمارة قد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فما بقي إلا نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس
يمرون به منهزمين . ورآني لا ترس معي ، فرأى رجلا موليا
معه ترس فقال يا صاحب الترس ألق ترسك إلى من يقاتل فألقى ترسه فأخذته فجعلت أترس
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل لو كان
رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله فيقبل رجل على فرس فضربني ، وترست له فلم يصنع
سيفه شيئا وولى ، وأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره . فجعل النبي صلى الله عليه
وسلم يصيح يا ابن أم عمارة أمك ، أمك قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب
وحدثني ابن أبي سبرة عن عمرو بن
يحيى ، عن أبيه عن عبد الله بن زيد ، قال جرحت يومئذ جرحا في عضدي اليسرى ،
ضربني رجل كأنه الرقل - ص 271 - ولم يعرج علي ومضى عني ، وجعل الدم لا يرقا ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعصب جرحك . فتقبل
أمي إلي ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح فربطت جرحي والنبي صلى الله
عليه وسلم واقف ينظر ثم قالت انهض يا بني فضارب القوم . فجعل النبي صلى الله
عليه وسلم يقول ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟ قالت وأقبل الرجل الذي ضربني ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ضارب ابنك قالت فأعترض له فأضرب ساقه
فبرك فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم حتى بدت نواجذه ثم قال استقدت يا
أم عمارة ثم أقبلنا إليه نعلوه بالسلاح حتى أتينا على نفسه . قال النبي صلى الله
عليه وسلم الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك ، وأراك ثأرك بعينك
حدثنا يعقوب بن محمد عن موسى بن
ضمرة بن سعيد عن أبيه قال أتي عمر بن الخطاب بمروط فكان فيها مرط واسع جيد فقال
بعضهم إن هذا المرط لثمن كذا وكذا ، فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية
بنت أبي عبيد - وذلك حدثان ما دخلت على ابن عمر . فقال أبعث به إلى من هو أحق
منها ، أم عمارة نسيبة بنت كعب . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد
يقول ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني
- ص
272 - فقال الواقدي : حدثني سعيد بن أبي زيد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى ،
قال قيل لأم عمارة هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع أزواجهن ؟ فقالت أعوذ بالله
ما رأيت امرأة منهن رمت بسهم ولا بحجر ولكن رأيت معهن الدفاف والأكبار يضربن
ويذكرن القوم قتلى بدر ، ومعهن مكاحل ومراود فكلما ولى رجل أو تكعكع ناولته
إحداهن مرودا ومكحلة ويقلن إنما أنت امرأة ولقد رأيتهن ولين منهزمات مشمرات -
ولها عنهن الرجال أصحاب الخيل ونجوا على متون الخيل - يتبعن الرجال على الأقدام
فجعلن يسقطن في الطريق .
ولقد رأيت هند بنت عتبة ، وكانت
امرأة ثقيلة ولها خلق قاعدة خاشية من الخيل ما بها مشي ومعها امرأة أخرى ، حتى
كر القوم علينا فأصابوا منا ما أصابوا ، فعند الله نحتسب ما أصابنا يومئذ من قبل
الرماة ومعصيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الواقدي : حدثني ابن أبي سبرة
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله قال - ص 273 -
سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم يقول شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما تفرق الناس عنه دنوت منه وأمي تذب عنه فقال يا ابن أم عمارة قلت : نعم . قال ارم فرميت بين يديه رجلا من المشركين بحجر وهو على فرس
فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه وجعلت أعلوه بالحجارة حتى نضدت
عليه منها وقرا ، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر ويتبسم فنظر إلى جرح بأمي على
عاتقها فقال أمك ، أمك اعصب جرحها ، بارك الله عليكم من أهل بيت مقام أمك خير من
مقام فلان وفلان ومقام ربيبك - يعني زوج أمه - خير من مقام فلان وفلان . ومقامك لخير
من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت قالت ادع الله أن نرافقك في الجنة .
قال اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة . قالت ما أبالي ما أصابني من الدنيا
قالوا : وكان حنظلة بن أبي عامر
تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها
قتال أحد . وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له
فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمته جميلة فعاد فكان
معها ، فأجنب منها ثم أراد الخروج وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها
فأشهدتهم أنه قد دخل بها ، فقيل لها بعد لم أشهدت عليه ؟ قالت رأيت كأن السماء
فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت فقلت : هذه الشهادة فأشهدت عليه أنه قد دخل بها .
وتعلق بعبد الله بن حنظلة ، ثم
تزوجها ثابت بن قيس بعد فولدت له محمد بن ثابت بن قيس . وأخذ حنظلة بن أبي عامر
سلاحه فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد وهو يسوي الصفوف . قال فلما
انكشف المشركون اعترض حنظلة بن أبي عامر لأبي سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه
فاكتسعت الفرس ، ويقع أبو سفيان إلى الأرض فجعل يصيح يا معشر قريش ، أنا أبو
سفيان بن حرب وحنظلة يريد ذبحه بالسيف فأسمع الصوت رجالا لا يلتفتون إليه من
الهزيمة حتى عاينه الأسود بن شعوب فحمل على حنظلة - ص 274 - بالرمح فأنفذه فمشى
حنظلة إليه بالرمح وقد أثبته ثم ضربه الثانية فقتله .
وهرب أبو سفيان يعدو على قدميه فلحق
ببعض قريش ، فنزل عن صدر فرسه وردف وراء أبي سفيان - فذلك قول أبي سفيان . فلما
قتل حنظلة مر عليه أبوه وهو مقتول إلى جنب حمزة بن عبد المطلب وعبد الله بن جحش
، فقال إن كنت لأحذرك هذا الرجل من قبل هذا المصرع والله إن كنت لبرا بالوالد
شريف الخلق في حياتك ، وإن مماتك لمع سراة أصحابك وأشرافهم . وإن جزى الله هذا
القتيل - لحمزة - خيرا ، أو أحدا من أصحاب
محمد ، فجزاك الله خيرا . ثم نادى : يا معشر قريش ، حنظلة لا يمثل به وإن كان
خالفني وخالفكم فلم يأل لنفسه فيما يرى خيرا . فمثل بالناس وترك فلم يمثل به .
وكانت هند أول من مثل بأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم وأمرت النساء بالمثل - جدع الأنوف والآذان - فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان ومسكتان وخدمتان ومثل بهم
كلهم إلا حنظلة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف
الفضة
قال أبو أسيد الساعدي : فذهبنا
فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء . قال أبو أسيد : فرجعت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبرته ، فأرسل إلى امرأته فسألها ، فأخبرته أنه خرج وهو جنب
وأقبل وهب بن قابوس المزني ، ومعه
ابن أخيه الحارث بن عقبة بن - ص 275 - قابوس بغنم لهما من جبل مزينة ، فوجدا
المدينة خلوفا فسألا : أين الناس ؟ فقالوا : بأحد ، خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقاتل المشركين من قريش . فقالا : لا نبتغي أثرا بعد عين . فخرجا حتى أتيا
النبي صلى الله عليه وسلم بأحد فيجدان القوم يقتتلون والدولة لرسول الله صلى
الله عليه وسلم وأصحابه فأغارا مع المسلمين في النهب وجاءت الخيل من ورائهم خالد
بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ، فاختلطوا ، فقاتلا أشد القتال .
فانفرقت فرقة من المشركين فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من لهذه الفرقة ؟ فقال وهب بن قابوس أنا يا رسول الله . فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا ثم رجع فانفرقت فرقة أخرى
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذه الكتيبة ؟ فقال المزني : أنا يا رسول
الله . فقام فذبها بالسيف حتى ولوا ، ثم
رجع المزني . ثم طلعت كتيبة أخرى فقال من يقوم لهؤلاء ؟ فقال المزني : أنا يا
رسول الله . فقال قم وأبشر بالجنة . فقام
المزني مسرورا يقول والله لا أقيل ولا أستقيل . فقام فجعل يدخل فيهم فيضرب
بالسيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه والمسلمون حتى خرج من أقصاهم
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم ارحمه ثم يرجع فيهم فما زال كذلك وهم
محدقون به حتى اشتملت عليه أسيافهم ورماحهم فقتلوه فوجد به يومئذ عشرون طعنة
برمح كلها قد خلصت إلى مقتل ومثل به أقبح المثل يومئذ . ثم
قام ابن أخيه فقاتل . كنحو قتاله حتى قتل فكان عمر بن الخطاب يقول إن أحب ميتة
أموت عليها لما مات عليها المزني - ص 276 -
وكان بلال بن الحارث المزني يحدث
يقول شهدنا القادسية مع سعد بن أبي وقاص ، فلما فتح الله علينا وقسمت بيننا
غنائمنا ، فأسقط فتى من آل قابوس بن مزينة ، فجئت سعدا حين فرغ من نومه فقال
بلال ؟ قلت : بلال قال مرحبا بك ، من هذا معك ؟ قلت : رجل من قومي من آل قابوس .
قال سعد ما أنت يا فتى من المزني الذي قتل يوم أحد ؟ قال ابن أخيه . قال سعد
مرحبا وأهلا ، ونعم الله بك عينا ، ذلك الرجل شهدت منه يوم أحد مشهدا ما شهدته
من أحد .
لقد رأيتنا وقد أحدق المشركون بنا
من كل ناحية ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا والكتائب تطلع من كل ناحية وإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرمي ببصره في الناس يتوسمهم يقول من لهذه
الكتيبة ؟ كل ذلك يقول المزني : أنا يا رسول الله كل ذلك يردها ، فما أنسى آخر
مرة قامها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم وأبشر بالجنة قال سعد وقمت على
أثره يعلم الله أني أطلب مثل ما يطلب يومئذ من الشهادة فخضنا حومتهم حتى رجعنا
فيهم الثانية وأصابوه رحمه الله ووددت والله أني كنت أصبت يومئذ معه ولكن أجلي
استأخر .
ثم دعا سعد من ساعته بسهمه فأعطاه
وفضله وقال اختر في المقام عندنا أو الرجوع إلى أهلك . فقال بلال إنه يستحب
الرجوع . فرجعنا . وقال سعد أشهد لرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عليه
وهو - ص 277 - مقتول وهو يقول رضي الله عنك فإني عنك راض ثم رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم قام على قدميه - وقد نال النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح ما
ناله وإني لأعلم أن القيام ليشق عليه - على
قبره حتى وضع في لحده وعليه بردة لها أعلام خضر فمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم البردة على رأسه فخمره وأدرجه فيها طولا وبلغت نصف ساقيه وأمرنا فجمعنا
الحرمل فجعلناه على رجليه وهو في لحده ثم انصرف . فما حال أموت عليها أحب إلي من
أن ألقى الله تعالى على حال المزني .
قالوا : ولما صاح إبليس " إن
محمدا قد قتل " تفرق الناس فمنهم من ورد المدينة ; فكان أول من دخل المدينة
يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل سعد بن عثمان أبو عبادة .
ثم ورد بعده رجال حتى دخلوا على
نسائهم حتى جعل النساء يقلن أعن رسول الله تفرون ؟ قال يقول ابن أم مكتوم : أعن
رسول الله تفرون ؟ ثم جعل يؤفف بهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه
بالمدينة ، يصلي بالناس ثم قال اعدلوني على الطريق - يعني طريق أحد - فعدلوه على
الطريق فجعل يستخبر كل من لقي عن طريق أحد حتى لحق القوم فعلم بسلامة النبي صلى
الله عليه وسلم ثم رجع .
وكان ممن ولى فلان والحارث بن حاطب
، وثعلبة بن حاطب ، وسواد بن غزية وسعد بن عثمان وعقبة - ص 278 - بن عثمان
وخارجة بن عامر بلغ ملل ; وأوس بن قيظي في نفر من بني حارثة بلغوا الشقرة
ولقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب وتقول لبعضهم هاك المغزل فاغزل به وهلم
سيفك فوجهت إلى أحد مع نسيات معها .
وقد قال بعض من يروي الحديث إن
المسلمين لم يعدوا الجبل وكانوا في سفحه ولم يجاوزوه إلى غيره وكان فيه النبي
صلى الله عليه وسلم .
ويقال إنه كان بين عبد الرحمن
وعثمان كلام فأرسل عبد الرحمن إلى الوليد بن عقبة فدعاه فقال اذهب إلى أخيك
فبلغه عني ما أقول لك ، فإني لا أعلم أحدا يبلغه غيرك . قال الوليد أفعل . قال
قل يقول لك عبد الرحمن شهدت بدرا ولم تشهد وثبت يوم أحد ووليت عنه وشهدت بيعة
الرضوان ولم تشهدها . فجاءه فأخبره فقال عثمان : صدق أخي تخلفت عن بدر على ابنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مريضة فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسهمي وأجري فكنت بمنزلة من حضر . ووليت يوم أحد ، فقد عفا الله ذلك عني ، فأما
بيعة الرضوان فإني خرجت إلى أهل مكة ، بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم - ص 279 - إن عثمان في طاعة الله وطاعة رسوله . وبايع
النبي صلى الله عليه وسلم إحدى يديه الأخرى ، فكانت شمال النبي صلى الله عليه
وسلم خيرا من يميني
فقال عبد الرحمن حين جاءه الوليد بن
عقبة : صدق أخي ونظر عمر بن الخطاب إلى عثمان بن عفان فقال هذا ممن عفا الله عنه
والله ما عفا الله عن شيء فرده وكان تولى يوم التقى الجمعان .
وسأل رجل ابن عمر عن عثمان فقال إنه
أذنب يوم أحد ذنبا عظيما ، فعفا الله عنه وهو ممن تولى يوم التقى الجمعان وأذنب
فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه
وقال علي : لما
كان يوم أحد وجال الناس تلك الجولة أقبل أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وهو
دارع مقنع في الحديد ما يرى منه إلا عيناه وهو يقول يوم بيوم بدر . فيعترض له رجل من المسلمين فيقتله أمية .
قال علي عليه السلام وأصمد له
فأضربه بالسيف على هامته - وعليه بيضة وتحت البيضة مغفر - فنبا سيفي ، وكنت رجلا
قصيرا . ويضربني بسيفه فأتقي بالدرقة فلحج سيفه فأضربه وكانت درعه مشمرة فأقطع
رجليه ووقع فجعل يعالج سيفه حتى خلصه من الدرقة وجعل يناوشني وهو بارك على
ركبتيه حتى نظرت إلى فتق تحت إبطه فأخش بالسيف فيه فمال ومات وانصرفت عنه .
- ص
280 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ أنا ابن العواتك وقال أيضا : أنا
النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب
وقالوا : أتينا عمر بن الخطاب في
رهط من المسلمين قعودا ، ومر بهم أنس بن النضر بن ضمضم عم أنس بن مالك فقال ما
يقعدكم ؟ قالوا : قتل رسول الله . قال فما تصنعون بالحياة بعده ؟
قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم جالد بسيفه حتى قتل .
فقال عمر بن الخطاب : إني لأرجو أن
يبعثه الله أمة وحده يوم القيامة . ووجد به سبعون ضربة في وجهه ما عرف حتى عرفت
أخته حسن بنانه ويقال حسن ثناياه .
قالوا : ومر مالك بن الدخشم على
خارجة بن زيد بن أبي زهير وهو قاعد في حشوته به ثلاثة عشر جرحا ، كلها قد خلصت
إلى مقتل فقال أما علمت أن محمدا قد قتل ؟ قال خارجة فإن كان قد قتل فإن الله حي
لا يموت فقد بلغ محمد ، فقاتل عن دينك
ومر على سعد بن الربيع وبه اثنا عشر
جرحا ، كلها قد خلص إلى مقتل فقال علمت أن محمدا قد قتل ؟ قال سعد بن الربيع :
أشهد أن محمدا قد بلغ رسالة ربه فقاتل عن دينك ، فإن الله حي لا يموت وقال منافق
إن رسول الله قد قتل فارجعوا إلى قومكم فإنهم داخلو البيوت . - ص 281 -
الي هنا
|
-------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق